تحقيقات وتقارير

زارها لسويعات السيسي في الخرطوم .. تفاصيل زيارة سريعة


بعد عامين من رحيل النظام السابق حضر الرئيس المصري المشير عبدالفتاح السيسي للخرطوم في زيارة استمرت سويعات معدودة قبل أن يغادر الخرطوم بعد مقابلات مصغرة عقدها مع رئيسي مجلس السيادة والوزراء فضلاً عن مقابلة نائب رئيس المجلس السيادي الفريق اول محمد حمدان دقلو حميدتي..

السيسي في زيارته للخرطوم حضر برفقة مدير مخابراته اللواء عباس كامل ووزير الخارجية سامح شكري .

حضور بعد غياب

في أواخر عمر النظام السابق ظل المشير عبدالفتاح السيسي يتردد باستمرار على الخرطوم التي زارها أكثر من ثلاث مرات في فترة لا تتجاوز الشهرين، واستمرت احدى الزيارات ليومين متتاليين..

بيد أن الرجل توقف من الحضور للخرطوم رغم أن أول قبلة للفريق أول عبدالفتاح البرهان بعد وصوله لسدة الحكم كانت القاهرة، وفي اغسطس من العام 2020م قدمت الخرطوم الدعوة للمشير السيسي لزيارة الخرطوم والمشاركة في توقيع الوثيقة الدستورية.

بيد انه فضل الغياب وارسال رئيس وزرائه بدلاً عنه، وظلت الخرطوم تترقب زيارة السيسي منذ اكثر من عامين قبل أن يحضر اليها صباح أمس (السبت) في زيارة قصيرة الزمن ومتعددة الأهداف والقضايا .

لماذا حضر السيسي ؟

تداعيات الأحداث في المنطقة العربية هي ما دفعت بالمشير عبدالفتاح السيسي لزيارة الخرطوم على وجه السرعة، اذ تشهد منطقة القرن الافريقي أحداثاً متسارعة وصارت مسرحاً للصراع العسكري.. فإثيوبيا تشهد معارك دموية داخل اراضيها بين الحكومة الفيدرالية ومجموعة التقراي المسلحة، مما القى الصراع بظلاله على أمن المنطقة، طبقاً لذلك تشهد العلاقات بين الخرطوم واديس ابابا توتراً ملحوظاً في الفترة الماضية بعد بسط السودان سيطرته على الاراضي المتداخلة مع اثيوبيا ونشر القوات المسلحة بها ومطاردة مليشيات الشفتة المسنودة بالجيش الفدرالي الاثيوبي.

في الوقت ذاته أعلنت اثيوبيا تمسكها بالمضي في ملء سد النهضة وفقاً لجدولة زمنية محدودة، إزاء هذه التداعيات حضر السيسي للخرطوم مناقشاً عدة قضايا مع الحكومة السودانية بشقيها المدني والعسكري .

ثلاثة اجتماعات

حضر السيسي للخرطوم ووجد عضو السيادي الفريق ابراهيم جابر في استقباله ثم توجه مباشرة لبيت الضيافة وعقد أجتماعاً مع الفريق أول عبدالفتاح السيسي وتبعه بلقاء آخر مع نائب رئيس مجلس السيادة محمد حمدان دقلو حميدتي ، واختتم لقاءاته مع رئيس الوزراء د.عبدالله حمدوك .

الاجتماعات التي عقدها السيسي انحصرت بشكل كبير حول سد النهضة الذي يمثل لمصر قضية استراتجية لا يمكن التراجع عنها عقب اجتماع البرهان والسيسي..

الاخير قال انها تناولت مستجدات مفاوضات سد النهضة الإثيوبي بإعتباره ملفا يمس صميم المصالح الحيوية لمصر والسودان بوصفهما دولتي المصب في حوض النيل، وأضاف في تصريحات صحفية عقب الاجتماعات أن مصر والسودان اتفقا على أهمية الاستمرار في التنسيق والتشاور حول هذا الشأن، مبينا أن البلدين أكدا أهمية العودة لمفاوضات جادة وفعالة بهدف التوصل في أقرب فرصة ممكنة وقبل موسم الفيضان المقبل إلى اتفاق عادل ومتوازن وملزم قانونا بشأن ملء وتشغيل سد النهضة وبما يحقق مصالح الدول الثلاث ويعزز أواصر التعاون والتكامل بين شعوب المنطقة.

ماذا قال السيسي؟

وقال الرئيس المصري إن هناك تطابقا في الرؤى بين البلدين بشأن رفض أي نهج يقوم على السعي لفرض الأمر الواقع وبسط السيطرة على النيل الأزرق من خلال إجراءات أحادية لا تراعي مصالح وحقوق دولتي المصب وهو ما تجسد في إعلان إثيوبيا عن نيتها تنفيذ المرحلة الثانية من ملء سد النهضة حتى إذا لم يتم التوصل إلى إتفاق ينظم الملء والتشغيل ،مما سيلحق أضرارا جسيمة بمصالح مصر والسودان. وقال السيسي إنه تباحث مع رئيس مجلس السيادة الانتقالي حول سبل إعادة إطلاق مسار المفاوضات من خلال تشكيل رباعية دولية تشمل الاتحاد الإفريقي والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية والأمم المتحدة للتوسط في العملية التفاوضية وهي الآلية التي اقترحها السودان وأيدتها مصر والتي تهدف لدعم جهود رئيس جمهورية الكنغو الديمقراطية الرامية لتعظيم فرص نجاح مسار المفاوضات، مؤكدا ثقة البلدين في قدرة الرئيس الكنغولي في إدارة هذه المفاوضات وتحقيق اختراق فيها للتوصل إلي الاتفاق المنشود. وأكد الرئيس المصري وقوف مصر ودعمها للسودان في كافة المحافل الإقليمية والدولية، وقال إن العلاقات السودانية المصرية شهدت زخماََ يستحق الإشادة على مدار المرحلة الماضية والمتمثل في ارتقاء مستوى التنسيق بين حكومتي البلدين عبر الزيارات المتبادلة و التشاور المكثف والمستمر وهو الجهد الذي يهدف في مجمله، لتكثيف التنسيق السياسي وتنفيذ مشروعات في عدد من المجالات الحيوية من بينها الربط الكهربائي والسكك الحديدية والتبادل التجاري والثقافي والعلمي والتعاون في مجالات الصحة والزراعة و الصناعة والتعدين.

السيسي والمكون العسكري

كان لافتاً في الفترة الماضية هو تبادل الزيارات بين المكون العسكري والحكومة المصرية طوال الفترة الماضية ، حيث زار الفريق اول عبدالفتاح البرهان مصر أكثر من مرة ، وكذلك زارها الفريق اول محمد حمدان دقلو القاهرة أكثر من مرة في أوقات سابقة ، في الشهرين الماضيين زار الفريق اول شمس الدين كباشي وبمعيته مدير المخابرات العامة الفريق اول جمال عبد المجيد ووزير الاعلام والثقافة فيصل محمد صالح القاهرة وجاءت تلك الزيارة بعد التطورات التي شهدتها الحدود الشرقية مع اثيوبيا ، في السياق ارسلت القاهرة مدير مخابراتها اللواء عباس كامل للخرطوم اكثر من ثلاث مرات خلال فترة لا تتجاوز عاما ونصف ، ثم ارسلت مؤخراً رئيس هيئة أركان الجيش المصري للخرطوم الذي قضى بها اكثر من ثلاثة أيام ، تبادل الزيارات بين المكون العسكري بالحكومة السودانية والحكومة المصرية يشير الى عمق العلاقات بين الطرفين مما حدا بدولة اثيوبيا ان ترسل اصابع الاتهام للمكون العسكري أكثر من مرة بأنه يخدم أجندة طرف ثالث، في إشارة لمصر، بيد أن المكون العسكري وعلى لسان الفريق ياسر العطا نفى الاتهامات الإثيوبية وقلل من أهميتها وقال إن اثيوبيا تريد خلق فتنة داخلية بتصريحات عن وجود طرف ثالث .

بيد أن ثمة تحليلات تذهب الى أن القيمة الحقيقية لزيارة السيسي تتويج لحراك الفترة الماضي في علاقة البلدين خصوصا على المستوى العسكري بعد توقيع اتفاقية قال عنها المحللون إنها تحمل رسالة واضحة إلى إثيوبيا، بأن عليها أن تجنح للسلم، بعد أن تمادت ضد السودان.

وكان السودان ومصر قد وقعا في وقت سابق اتفاقا عسكريا، بحضور قائدي جيشي البلدين.

وقال رئيس الأركان ، الفريق محمد عثمان الحسين، حينها إن الاتفاقية تهدف لتحقيق الأمن القومي لكل من السودان ومصر.

من جانبه، أكد رئيس الأركان المصري الفريق محمد فريد، استعداد القاهرة، لتلبية كافة طلبات الخرطوم في المجالات العسكرية، موضحا أن السودان ومصر، يواجهان تحديات مشتركة.

ويأتي هذا الاتفاق في ظل التوتر غير المسبوق بين الخرطوم وأديس أبابا، على خلفية الاشتباكات المتكررة في منطقة الفشقة السودانية.

هل ثمة أجندة سرية ؟

أجتماعات الحكومة السودانية مع الرئيس المصري المشير عبدالفتاح السيسي كان محورها الأساسي قضية سد النهضة في المقام الأول ، ثم قضية التوترات الحدودية بين البلدين ، هذا ما أعلن للإعلام الرسمي ، بيد أن بعض التسريبات تشير إلى مناقشة أجندة غير معلن عنها نوقشت بعيداً عن فلاشات الاعلام مع حميدتي وحمدوك وهي القضايا الجوهرية التي من أجلها حضر السيسي للخرطوم، الاجندة السرية غير المعلن عنها ربما تظهر للعلن في الفترة القادمة من خلال تنفيذها واقعياً. وبحسب المعلومات التي تحصلت عليها (السوداني) فإن القضايا التي نوقشت هي قضية التطبيع مع اسرائيل وعملية تصدير السلع التجارية المتبادلة بين البلدين ، وقضية حلايب وشلاتين التي قال المصدر انها نوقشت عرضاً في الاجتماعات المشتركة ، وقال المصدر إن حمدوك ناقش مع السيسي عملية تسليم المطلوبين للعدالة بواسطة الاجهزة العدلية السودانية .

تأمين عال

كان لافتاً في زيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي للخرطوم التأمين العالي الذي ضرب على الزيارة حيث حضرت عناصر تأمين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي للخرطوم قبل يوم من الزيارة فيما قامت الحكومة السودانية بضرب طوق أمني على الطرقات المؤدية للقصر الجمهوري بدءا من شارع المطار الى محيط القصر ، سيما وان انباء وتحذيرات أشارت الى وجود مجموعات مناهضة للزيارة ، ورصدت (السوداني) مجموعات شبابية تهتف بشارع المطار وتحمل لافتات تطالب بعودة حلايب وشلاتين وحرق اطارت السيارات قبل ان تقوم الشرطة بتفريقهم بالغاز المسيل للدموع .

خيارات ما بعد الزيارة

كثيرون يرون أن الزيارة تهدف في المقام الاول والاخير لتحديد خيارات القاهرة والخرطوم في مواجهة أديس ابابا، وتذهب التحليلات الى خيارين لا ثالث لهما أمام العاصمتين. أولهما أن يعمل الطرفان السوداني والمصري على التعبئة الشعبية لممارسة ضغوط جماهيرية في دول العالم للفت نظر الحكومات للكارثة التي تحيق بالبلدين بفعل التعنت الاثيوبي، ويتم ذلك بتنظيم الاحتجاجات أمام سفارت الدول الكبرى حول العالم.

الخيار الثاني يتمثل في اللجوء للخيار العسكري المحدود، اذ أن العالم والاقليم لا يحتمل هزات كبيرة او حربا بالمعنى المعروف.

الخرطوم: عبدالرؤوف طه
صحيفة السوداني