تحقيقات وتقارير

الدعم السريع .. هل يمتلك مراكز اعتقال خاصة ؟!

لا نمتلك معتقلات سرية وإنما (حِراسات) فردية

الدعم السريع .. هل يمتلك مراكز اعتقال خاصة ؟!

* الناطق الرسمي لقوات الدعم السريع : لا نمتلك معتقلات سرية وإنما (حِراسات) فردية

* أُسرة وثَّاب عمر تُؤكد سفره خارج السُّودان خوفاً على حياته

* تجمع المهنيين السودانيين: الدعم السريع اعترف رسمياً بامتلاكه مقار للتحقيق والاستجواب

إختفى عُضو لجان مقاومة الحتانة وثَّاب عمر فِي غُموض لبضع أيام مُتتالية، ليعود وآثار التعذيب تُحيط بجسده !.هذا الشاب كان “طرف الخيط” الذي قاد إلى واحدة مِن قضايا تجاوز القانون وانتهاك الحُقوق. اعتقاله غير القانوني فتح الأبواب مٌشرعة لتعبر مِن خلالها أسئلة ظلت لفترات طويلة داخل أدراج الخوف ، التكتم ، وانعدام الحقائق المُؤكدة . هل لقوات الدعم السريع مُعتقلات خاصة وسِرية تمارس داخلها التعذيب الذِي قد يقود للقتل خارج إطار القوانين.. وما خطته الوثيقة الدستورية التي أنجبتها الثورة ؟! سؤال طرحته (الجريدة) عبر هذا التحقيق وهذه التفاصيل.

اعتقال وتعذيب

مساء الخميس الموافق (26 / فبراير) مِن العام المُنصرم أُعتُقل عُضو لِجان مقاومة الحتانة “وثَّاب عمر”، من أمام معرض الخرطوم الدولي وهو فِي طريقه إلى موقف (الإستاد)، بحثاً عن وسيلة مواصلات تُقله لمنزله . حِينذاك؛ سرد المكتب الإعلامي لتنسيقية لجان مقاومة كرري ما تعرض له أحد اعضائها على لِسانه فقال : “شخص يرتدي ملابس ملكية ناداه باسمه معرفاً نفسه بأنه يتبع لجهةٍ أمنية، ويريد أن يحقق معه تحقيقاً بسيطاً، وذهبا سوياً ثم ركبا سيارة من دون لوحات”. وتابع البيان ـ بحوزة (الجريدة) نُسخة مِنه : ” تفاجأ وثاب بشخصان جواره، طالبوه على الفور بإنزال رأسه بالقوة ، ثم تحركوا إلى منطقة سوبا وبعدها عبرو كبري المك نمر إلى جهة مجهولة وصفها وثاب بأنها تبدو كمدرسة قديمة، تم ادخاله في احدى “فصولها” ليبدأ مسلسل التعذيب والضرب الجسدي والنفسي بالتجويع والعطش”. ويستمر المكتب الإعلامي فِي السرد بقوله : ” إنه وفي صبيحة اليوم التالي مُباشرةً تم ترحيل وثاب إلى “سوبا” لمكان أشبه بالمعتقلات حيث وجد هُناك قُرابة الـ(5) معتقلين أحدهم شاب مِن منطقة “بُري الدرايسة” قال إنه قيد الاعتقال مُنذ (7) أيام نتيجة شجار نشب بينه وفرد دعم سريع قبل شهرين.

طرف خيط

ما ذكرته تنسيقية لِجان مُقاومة كرري حول ما تعرض له “وثَّاب عمر” كان بمثابة “طرف خيط” رفيع قاد إلى بعثرة ونفض الغُبار عن المسكوت عنه خوفاً أو نتيجة لقلة المعلومات المُؤكدة حول “فرضية” وجود معتقلات خاصة وسرية لقوات الدعم السريع تمارس فيها التعذيب، بعيداً عن القانون وما تسمح بِه صلاحياتها. (الجريدة) تحدثت مع أُسرة “وثَّاب عمر ” فكانت المفاجأة قولهم : “ولدنا سفرناه خارج السُّودان، منعاً لأي مكروه قد يتعرض له بحثنا عن عقد عمل فِي واحدة من الدول العربية وأقنعناه بالخروج، هو الآن بعيد تماماً ونعتقد إنّه الخِيار الأفضل”. تقول الأُسرة التي عاشت اياماً عصيبة عقب اعتقال إبنها ورحلة البحث عنه الممتدة لثلاثة أيام مُتتالية، ليُعود وأثار التعذيب تُحيط بجسده وروحه لـ (الجريدة): إنّ والدته المكلومة لا تُريد شيء سوى سلامة إبنها وضمان أن ما حدث لن يتكرر، قالت إنها لا تُرغب فِي معرفة أي شيء، أقصى ما تتمناه هو أن يُغادر إبنها السودان، وهذا ماحدث، لا نعلم متى سيعود، والدته تُفضل أن تفارقه حياً لا ميتاً.

اعتراف رسمي

ليس بعيداً عن حادثة عُضو لجان مُقاومة الحتانة وثَّاب عمر، ما تعرض له الشهيد بهاء الدين نوري، الذي لقي حتفه تحت التعذيب بإحد معتقلات الدعم السريع في ديسمبر الماضي. الحادثة التي سُرعان ما أصبحت قضية رأي عام، حولّت “فرضية” وجود معتقلات خاصة بالدعم السريع ، إلى حقيقة ماثلة وإجابات واضحة (نعم) هُناك معتقلات خاصة ولم تعد (سرية) تابعة لقوات الدعم السريع.

يقول عُضو تجمع المهنيين السُّودانيين حسن فاروق لـ(الجريدة): مقتل الشهيد بهاء الدين نوري أثبت عملياً وجود معتقلات خاصة لقوات الدعم السريع، وتسليم الأفراد الذين ارتكبوا جُرم تعذيبه الذي أدى لوفاته إلى النيابة العامة يُعد اعترافا رسميا بوجود هذه المعتقلات.

إضافة إلى ذلك كُله فإن البيان الذي أصدرته النيابة العامة وبعثت بِه الى قوات الدعم السريع والجيش والأمن، ووجه بضرورة التزامهم بما ورد في الوثيقة الدستورية لسنة 2019 بمنع ألقاء القبض على المدنيين إلا بواسطة الشرطة والنيابة، تحذير واضح لِما يتم من انتهاكات تجاه المواطنين. ويمضي “فاروق” فِي حديثه لـ(الجريدة) بقوله: تسليم قوات الدعم السريع منسوبيها المتهميين بحادثة قتل “بهاء الدين” إلى النيابة العامة ما هو إلا إقرار واضح يحسم الجِدل حول وجود المعتقلات مِن عدمها. يقول: نِفي المُثبت نتائجه عكسية، هُناك معتقلات، وتعذيب، وزول مات، وعن أماكن هذه المعتقلات غير القانونية يُشير عُضو تجمع المهنيين السُّودانيين إلى أنّ مواكب تشييع جُثمان الشهيد بهاء الدين نوري، طافت حولها فِي رسالة واضحة لمن يقف خلفها، وهم يحملون (نعشه) قبيل موارته الثرى. وشدَّد على أن قوات الدعم السريع في بعض بياناتها أشارت إلى وجود مقار خاصة بِها تستخدمها للتحقيق والاستجواب.

الدعم السريع ينفي

فِي حوار سابق أجرته (الجريدة) مع الناطق الرسمي لقوات الدعم السريع العميد جمال جمعة، عن ما يدور حول اعتقالات تقوم بها استخبارات قوات الدعم السريع، وأحاديث عن وجود معتقلات سرية ، جاء رده كما ورد في الصحيفة على هذا النحو: اطلاقاً، ليس لدينا أي معتقلات سرية، بل حراسات عادية للأفراد، ولم نقبض سوى على من يخالفون المادة 93 من القانون الجنائي لسنة 1991، انتحال صفة قوات الدعم السريع، ونحن نتخوف من أي شخص يلبس زي الدعم السريع أو يتحدث باسمه ويسئ لنا، لأن الأضواء موجهة نحونا وتكبّر أي صغيرة تحدث، وهناك بلاغات لأشخاص انتحلوا صفة الدعم السريع، قبضناهم وتحرينا معهم وسلمناهم للشرطة مباشرة، وأغلبهم قبضناهم متلبسين، إما بزي الدعم السريع، أو يتحدثون باسمنا، أو بحوزتهم علامات الدعم السريع، أما أي اعتقالات أخرى، ليس لنا بها علاقة، نحن لا نعتقل الأشخاص، لكن قد يكون هناك قوات مشتركة، مثل التي تعمل مع اللجنة الاقتصادية، وبها قوات مشتركة بين الجيش والشرطة والدعم السريع، فيها قبضيات، والناس تنسبها كلها للدعم السريع”.

بالعودة لعٌضو تجمع المهنيين السُّودانيين فإن ما ذكره الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع مُعتاد ويحدث باستمرار كُلما طفت إلى السطح حادثة مماثلة مِن قِبل منسوبيهم تجاه المواطنيين، مُبرراتهم جاهزة، ويقول : يُسرعون للنفي والقول بأن مرتكبي الجُرم لا ينتمون إليهم ولا يعملون معهم ويرتدون زِيهم إنتحالاً.

الجريدة: سلمى عبدالعزيز
صحيفة الجريدة