اضبط، هناك شيء جميل
(1 )
التعريف الأولي للعملية الإعلامية انها تابعة للحدث ثم تطورت هذه التبعية باضافة التقييم وذلك بإظهار المحاسن والمساوئ ثم تطورت الى التدخل في تطوير الحدث وذلك بعملية التغذية الراجعة التي يقوم بها الإعلام (الفيد باكfeed-back) وذهبت الى أكثر من ذلك الى التدخل في صناعة الحدث بما تتضمنه من انحياز ودسديس في الفنيات ومن هنا اكتسبت العملية الإعلامية خطورتها اذ أصبحت شريكة في رسم صورة الحدث. رغم صحة هذا التعميم نجد ان لكل وسيط إعلامي خاصية تميزه عن الآخر فالتلفزيون مثلا يعكس مجمل الحدث بالصورة ويترك التقييم للمتلقي وهذا لا ينفي وجود الانتقائية في التصوير والوسائط الاجتماعية الحديثة ليس لها غير النبيشة اللهم مع بعض الاستثناءات التي تعكس الإشراقات، أما الصحافة المكتوبة فهي دوما ناقدة فلا ترى إلا النصف الفارغ من الكوب ولعل هذا راجع لعل هذا راجع لتاريخ نشأة تلك الصحافة اذ أنها بدأت بالمنشور الاحتجاجي.
(2 )
تأسيسا على ما سبق أعلاه، فقد ظللنا في تجربتنا الصحفية المتواضعة نركز على النصف الفارغ من الكوب من أجل ملئه بغض النظر عن النظام الحاكم ولسوء حظنا كل الأنظمة التي تعاقبت على حكم السودان ونحن ممسكون بالقلم أكوابها قليلة المياه، لذلك ظلت كتابتنا دوما ناقدة وكأننا لا نرى في الوجود شيئا جميلا ولعمري ان هذا من تشوهات المهنة (job-distortion) كما يقول علماء النفس الأمر الذي جعلنا نشفق على أنفسنا من هذا الداء فنهرب من تناول الحياة اليومية وقضاياها الاقتصادية والسياسية المتلتلة الى حقول الإبداع في الآداب والفنون وما فيها من مخاطبة للوجدان حتى نرى في الوجود شيئا جميلا وينعكس هذا الجمال على أنفسنا ومن ثم لا نسهم في إحباط المتلقي، ولكن للأسف اكتشفنا ان التردي عام وفي كافة المجالات فالتدهور عندما يحل بأرض يجفف عقل ووجدان الإنسان.
(3 )
كل الذي تقدم لا ينفي وجود إشراقات هنا وهناك ووجود إنجازات أحدثت آثارا كبيرة في الحياة ولكن كما ذكرت أعلاه لم نعطها حظها من الضوء والتثمين حتى تتطور وتعم وتشمل كافة مناحي الحياة. حتى لا يكون الكلام عن الإيجابيات كأنه خارج الصندوق، نضرب مثلا بحدثين حدثا قبل أيام سيكون لهما مردود كبير في مقبل الأيام اذا ألقينا عليهما الإعلام اللازم ليراهما الكل ويحذو الجميع الحذو الذي أوجدهما، وهما حدث اقتصادي وحدث سياسي، فأما الاقتصادي وهو افتتاح محجر محمد بشير العشي في منقطة بارا وعلى حسب الذي قرأناه عنه فقد أقيم بأحدث المواصفات العالمية ومعلوم معاناة صادر الثروة الحيوانية من المحاجر المتخلفة القائمة الآن والتي جعلت البواخر المحملة بالمواشي ترجع من جدة ذليلة حسيرة تنقصها المناعة لتنتقص من كبرياء الأمة ولعل الأجمل ان هذا المحجر قطاع خاص وفإن يلج هذا القطاع مجال البنيات الأساسية فهو فتح كبير . أما الحدث السياسي فهو تكوين نقابة اساتذة جامعة الخرطوم بانتخابات مباشرة كاملة الدسم . فمنذ اندلاع ثورة ديسمبر المجيدة ظل التوهان السياسي هو الملازم لحالة البلاد لعدم وجود الحد الأدنى من التوافق وظلت مفردة انتخابات غائبة لا وجود لها وكان الفترة الانتقالية ستظل مفتوحة للأبد. ان كانت عملية الانتخابات العامة تحتاج لكثير من المستلزمات من إحصاء وتعداد سكاني وقانون انتخابات والذي منه، فان الانتخابات النقابية لا تحتاج إلا لقانون فقط. وهاهي جامعة الخرطوم تتجاوز الواقع المأزوم تنزع لنفسها حق الاختيار وتقول للدنيا والعالمين في السودان أنه في حاجة اسمها انتخابات.
عبد اللطيف البوني-صحيفة السوداني