أوكازيون الرتب العسكرية
بعد فترة وجيزة من قدوم قادة حركات الكفاح المسلح ومرافقيهم الى الخرطوم بعد توقيع سلام جوبا، ظلت الخرطوم تهمس بأن هناك حركة تجنيد واسعة ينشط فيها منسوبون للحركات المسلحة لضم اشخاص لم يكونوا ضمن قواتها بمنحهم رتب عسكرية مختلفة بغرض (تكبير الكوم)، وكان المتهامسون يصرون على حقيقة هذا التجييش بل ويدعمونه بتسمية اشخاص بالاسم وبالرتبة التي نالوها، رغم نفي الحركات لوجود (حركة) التجنيد المذكورة، وظل الامر يتأرجح بين الاثبات والنفي، الى ان خرجت الشرطة السودانية بالخبر اليقين الذي قطع قول النافين، اذ كانت الشرطة قد اعلنت رسميا قبل مدة عن تمكن قوة من فرعية عمليات كرري الفيدرالية، من فك طلاسم جرائم احتيال ينفذها متهمون ينتحلون صفة القوات النظامية التابعة للحركات الموقعة على اتفاق سلام جوبا، وقالت الشرطة ان مجموعة من المواطنين قد سقطوا ضحايا لتلك المجموعات التى تستولى على اموال مواطنين مقابل تسليمهم بطاقات عسكرية برتب قيادية، وكانت مجموعات تنشط بمنطقة حلايب بأم درمان تقوم بالاستيلاء على اموال طائلة نظير تسليم بطاقات برتب رفيعة لمن يدفع، ويدعى المتهمون تبعيتهم لحركة تمازج الموقعة على الاتفاق، ونفذت الشرطة كمينا محكما اسفر عن ضبط (4) متهمين ضبطت بحوزتهم (30) استمارة لضباط بالحركة المذكورة، وقبل ضبطية الشرطة المعلنة سبق للمجلس السيدادي ان خاطب رسميا الوساطة الجنوبية بخروقات بعض الحركات بانخراطها في عمليات تجنيد لاشخاص لم تكن لهم سابق علاقة بها، ثم من بعد ذلك كله اذا برئيس الجبهة الثورية د. الهادي ادريس ذات نفسه يزيد المؤكد تأكيدا، اذ صرح علنا فى مؤتمر صحفى مشهود برصدهم لظاهرة وصفها بالخطيرة والمتمثلة في بيع الرتب العسكرية، بل انه ذهب الى ابعد من ذلك بأن شبهها بالسلع التي تباع في سوق الله اكبر، بيد انه عزا الامر للتباطؤ فى تنفيذ بنود اتفاق الترتيبات الأمنية، معتبرا ان هذا التباطؤ هو ما يتسبب فى مثل هذه التفلتات..
اذن وبالدليل القطعي الذي لا سبيل لنكرانه، ثبت ان هناك عمليات تجنيد غير مشروعة تنشط فيها بعض الحركات ان لم نقل كلها، ويرجح ان هدف من ينشطون من الحركات فى هذه العمليات غير الاخلاقية، ان بعضهم يحتاج الى ضم اشخاص مؤهلين الى صفوفها للعمل كاستشاريين متخصصين في القانون والاعلام وغيرها من التخصصات، بينما يحتاج بعضهم الآخر لتكبير كومه العسكري بسبب انه لا يحوز على قوة كبيرة، حتى يضمن لحركته نصيب اكبر فى كيكة السلام، ووجود اكثر داخل القوات النظامية حين يحين اجل عملية الدمج والتسريح، وتعيد عملية بيع الرتب العسكرية والتوسع فى منحها الى المشهد ما سبق ان حدث ابان اتفاقية عام 1972 بين حكومة مايو وقتها وحركة الانانيا الجنوبية، حيث نشطت الانانيا في تجنيد الكثيرين، ليتضح لاحقا بعد استيعابهم فى الجيش بأنهم غير مؤهلين لينضموا لأي مستوى من المستويات داخل القوات المسلحة، وحتى لا تتكرر تلك التجربة الكارثية، لابد من حسم ظاهرة التجنيد ال(سمبلا) الذي يتم على طريقة اوكازيون السلع والبضائع قبل البدء عمليا فى تطبيق الترتيبات الأمنية.
***********
صحيفة الجريدة