عبد اللطيف البوني

(لكن بتير)

(1 )
طالما أن حياتنا في السودان اصبحت دائرية، اذ نمشي ونلف ولنجد انفسنا في ذات المكان دون التقدم قيد انملة للامام فلامناص من اعادة قصة الادروبي الظريف التي حكيناها هنا قبل بضع سنوات والتي تقول إن ادروب دخل في مشادة مع احد الفلبينيين ثم تطورت الى عراك فاستخدم الآسيوي اخر فنون الكارتيه اذ اخذ يتقافز في الهواء ويضرب بيديه ويرفس برجليه ورغم كثافة الضربات وجد ادروب فرصة فامسك بتلابيبه ورماه على الارض وجثم فوق صدره والفلبيني يئن تحته فالتف الناس حوله يا ادروب خلاص كفاية قوم فكان رده (لكن بتير) يا ادروب الزول دا بموت (لكن بتير) يا ادروب دي جريمة قتل (لكن بتير) لقد وجد ادروب نفسه في ورطة اذا استمر جاثما فوق الرجل مشكلة ولو قام منه مشكلة.
(2 )
يبدو أن حالة ادروب مع الفلبيني انطبقت على حكومتنا مع الدولار فالدولار بعد أن اوسع الجنيه ضربا بالايدي والشلوت استخدمت الحكومة اخر اسلحتها وهو التعويم فتبنت آخر ما وصل اليه السوق الموازي (الاسود) فامسكت بخناق الدولار فاتجه نحو البنوك في معظمه ولكن الحكومة ظلت واقفة عند هذه الخطوة فلم تتحرك كأنما سياسة التعويم هدف في حد ذاتها . فسياسة التعويم الهدف منها طرد السوق الاسود وبالتالي التحكم في سعر الصرف ثم الهبوط الناعم بالدولار لينتهي التضخم وتعود للجنيه عافيته بيد أن الحكومة جعلت غايتها الامساك بتلابيب الدولار وعدم مبارحة هذه الخطوة خوفا من أن يواصل الدولار طيرانه فظل التضخم مستمرا وظل الغلاء متناميا ففي اليومين الماضيين زيدت اسعار المحروقات وارتفع الدولار الجمركي وتضاعفت اسعار الادوية وظل الجنيه السوداني على هوانه فلم تتحسن صحته هذا اذا لم نقل ظل في حالة تراجع ولكن تراجع بطيء ليس كما كان قبل التعويم.
(3)
كان المتوقع أن تتخذ الحكومة عدة خطوات بالتزامن مع التعويم لكي ترد للجنيه عافيته مثل تقليل الصرف الحكومي فالحكومة ظلت تزيد في التوظيف الدستوري فاستيعاب الذين وقعوا على سلام جوبا بدلا من أن يكون بتنازل من بعض الحاكمين تم بزيادة الوظائف ثلاثة في مجلس السيادة ومجلس شركاء وفي الطريق الحكم الاقليمي والمجلس التشريعي والمفوضيات ثم استيعاب الجيوش وهاك ياتوسع. فيما يتعلق بالاستيراد كان ينبغي حظر الكثير من السلع الكمالية والتحسنينية والاكتفاء بالضروريات وهذا ما لم يحدث فعدة رمضان ومشروباته المستوردة ظهرت في الاسواق فتهافتت عليها الاسر الارستقراطية . كان ينبغي الاهتمام بالصادرات وحصائلها ولكن مازالت السفن ترجع محملة بالخراف من جدة لقلة المناعة . الاصدقاء والمانحون ففي انتظار مؤتمر باريس اما ماما امريكا بعد قرضها التجسيري الذي استردته بعد ساعات طرحت مسابقة لمكافحة الفساد في السودان وقررت تدريب الشرطة السودانية ومنحنا مصنعا لتغليف سلعتي عوضا عن منحنا سلعتي ذاتها او ما يساعد على انتاجها قال تغليف قال وهو نحن ناقصين ياماما؟
(4 )
لقد رحبنا بفرملة الدولار رغم أن الفرملة كانت عالية التكلفة وتحملنا معاناة رفع الدعم رغم ضيق ذات اليد كل ذلك على امل أن يتحسن الوضع في مقبل الايام ولكن يبدو أن الحكومة اكتفت بالجانب الذي يلي الشعب ولم تقم بالواجب الذي يليها لذلك سوف يخبو هذا الامل ويتصاعد التململ وترتخي قبضة الحكومة وينفك الدولار من قبضتها ويطير ويواصل لعبة الكارتيه على الجنيه السوداني فاذا ما طار هذه المرة – لا سمح الله- سيطير كل شيء.

عبد اللطيف البوني.. صحيفة السوداني