الجنينة وبوم الخراب..!!
نُذكِّر أنفسنا بأنّا نقف على عتبات باب العام الثالث للثورة المجيدة وما زالت تتلاعب بنا الأزمات المعيشية وشح الضروريات الحياتية وترمي بنا بعيداً عن مواقع البناء وتُعرقل علينا بقسوتها المسيرة إلى غد الرفاه ، وما زلنا نحلم بيومٍ ننشغل فيه بالبناء والتعمير عن الصراعات المُعيقة للنهوض من هذه الكبوة والخُروج من هذه الهوة العميقة وما زال الأمل يحدونا للعبور والانتصار ، وأنّى لنا العبور..؟
لم نُصدق بأنّ مُدن الشرق الحبيب قد هدأت الاحتجاجات فيها وانطفأت شرارة الصراع التي أشعلها البعض بنفخهم الشديد المتواصل في كير القبلية حتى تتمدّدت النيران وارتفع لهيبها وتصاعد دُخانها ، وكادت أن تُحيل جمال الشرق الباذخ إلى قُبحٍ ينفُر منه المواطن العاشق لتلك البقاع ، ومن أين يأت الهدوء ما دُمنا نعيش وبيننا أشباه طائر البوم العاشق للخراب فهؤلاء لن يتركونا هكذا ولن يهدأ لهم بال إن لم يُشعلوا النيران في كامل التُراب السوداني ، والأخبار من غربنا الحبيب حملت في أحشاءها انفجار لغم آخر من ألغام الغُبن القبلي المزروعة بكثرة في ربوع دارفور المأزومة بالحروب وقد انفجر للمرة الثالثة في الجنينة بعد الثورة المجيدة.
ما زالت جُروح أهل الجنينة الدامية التي سببتها أحداث الفوضى السابقة مفتوحة لم تندمل بعد ، وما زالت الأسر التي فقدت أفرادها في تلك الحوادث الدموية تنتظر عقاب الفاعل ، ويقيني بأنّ ملفات قضايا تلك الحوادث ما زالت مفتوحة في المحاكم لم تُقفل بعد ، للأسف لم يعبأ بعضهم بما حدث في بلادنا من تغيير ، ولم يُغيّر فيهم الأمل الذي أحدثته الثورة شيئا ، وما زالوا يتأبطون أسلحتهم ويبحثون عن أي سبب وعن أي عدوٍ يُفرغون في صدره خزائن بنادقهم المملوءة بالرصاص الحي وقد استغلوا هشاشة الدولة وانشغالها بترتيب البيت الكبير وتنظيفه من الأوساخ لاستقبال المدنية المنشودة ولتحقيق الحُلم بالاستقرار والسلام .
أشعلوا النيران في الجنينة المدينة التي بدأت العودة إلى الاستقرار المُعين على ممارسة الحياة الطبيعية في الزراعة والتجارة لا سيّما والمدينة تُعتبر بوابة السودان الغربية للتجارة مع بعض دول الجوار ، ولكن من يظُن بأن البُندقية هي الوسيلة الأمثل لحل ما يعترضه من مشاكل فلن يُعيننا على الاستقرار والمُضي في دروب التنمية والاستقرار ولن يترُك أبواب الأمان مُشرعة على مصراعيها لمن يُريد الدخول للعيش في سلامٍ ينعم فيه بالأمن بعد سنوات بؤس الحرب التي أوقفت الحياة في درفور وزعزعت استقرار أهلها.
من وراء هؤلاء ولمصلحة من يحملون بنادقهم ومن يُقنعهم بأنّ زمان البندقية قد ولى..؟
الجنينة تنتظر من يُقنّع عُشاق الخراب بأن يتركوا بنادقهم ويحملون بدلاً عنها معاول زرعهم وأدوات انتاجهم ، وإلّا فزوال الجنينة وارد.
وكان الله في عون البلاد وأهلها.
زاهر بخيت الفكي.. صحيفة الجريدة