مكافأتهم الشهرية أقل من (حق المُشوار) .. المعايشون وجزاء سنمار!!
“أحمد محمود” معاشي سبعيني عمل بعدد من المؤسسات الحكومية منذ ستينيات القرن الماضي، لكن كل هذه السنوات الطوال لم تشفع له بدليل أن معاشه الشهري حتى يوم الناس هذا هو فقط (3 ) آلاف جنيه، وهو مبلغٌ أقل من (حق المشوار) في حال طلب عربة أُجرة من منزله إلى مكان الصرف، فما بالك بما يعولهم من أطفال وطلاب يحتاجون إلى مآكلٍ ومشربٍ وملبسٍ وسكنٍ وقائمة طويلة جداً من التزامات لا فكاك منها..!!
(تعب الموت)
“محمود” حكى لـ(السوداني) قصصٌ تقطع نياط القلوب حين قال إنَّ معظم المعاشيين يعانون من أمراض مزمنة كالضغط والسكري والأزمة وغيرها، وأكد أن المعاشيين في الظرف الحالي يقفون على رأس قائمة أصحاب الحاجة والفقراء ويرزحون تحت دائرة العوز والفقر، وأضاف بقوله: أنا أحمد نموذج للسواد الأعظم من شريحة المعاشيين الذين تحدثتُ لكم عنهم.
وذات الحقائق المريرة التي قالها لنا “أحمد” رددها خلفه موظفون بالمعاشات، سردوا تفاصيل مرورهم بأوضاع مأساوية يعيشونها الأمر الذي أضطر بعضهم لامتهان التسول (شحادين) لتغطية العجز المعيشي ورتق الفجوة التي صنعها ضعف معاشهم الشهري.
عشرة دولارات
من ناحيته يؤكد “حمد” – وهو أحد المعنيين بهذا الموضوع- أن معاشه الشهري أقلّ من 10 دولارات وهو مبلغ يعادل قيمة (ساندوتش) في دول أوروبا، تعطى كراتب شهري لموظف أفنى زهرة شبابه في خدمة الوطن، وأشار الى انأأا ضعف المرتب ماهو إلا اقرار بتهميش الدولة لقطاع المعاشيين، وتساءل عن اين مُدخرات المعاشيين بالصندوق القومي للمعاشات؟ و أين تذهب عائدات استثماراتهم الاستثمار ؟ ولماذا أوقفت استقطاعات اشتراكاتهم، وماسبب حل اتحادهم الذي يمثل سنداً ومنافحاً لرد حقوقهم.
(رغيف حاف)
عباس محمد معاشي يسكن بمنطقة الكلاكلة يتقاضى معاشا قدره 3.400 جنيه ، يقول عباس ل ( السوداني) أن قيمة معاشه لم تتماش مع الضائقة المعيشية الخانقة التي ضربت الأسواق، ومضى بقوله أن مبلغ المعاش لا يستطيع شراء ( رغيف حاف) ناهيك عن اللحوم وغيرها ، وقال إن قيمة المعاش لاتغطي تكلفة تحصيله من البنك في حالة الذهاب بعربة أجرة (ترحال) ، وأكد عباس أن زهد المرتب وتآكل قيمته يوماً تلو الآخر بالأسواق جعله ينفقه وأهداءه لصندوق تبرعات المنطقة ، ونوه عباس بأن المعاشيين لم تتم لهم معالجات كما حدثت معالجات في مايو الماضي وزيادة مرتبات كافة القطاعات، واستنكر تهميش المعاشيين من تلك الزيادات ، وطالب الدولة بمعالجات فورية تجنب المعاشيين وقوعهم في المحظورات .
تسوُّل لا يليق بهم
أما المعاشي آدم عبدالرحمن يقول لـ(السوداني) أنه عمل محاسباً بإدارة الأسواق منذ العام 1965 وحتى 2004م وتنقل بعدد من الولايات، ووصف عبدالرحمن مرتب المعاش بالذرة في بحر متلاطم الأمواج ولايستطيع مجاراة ومواكبة الزيادة المطردة في الأسواق، وأوضح أن مرتبه لا يزيد عن احتياجات الرصيد فقط، وكشف عن تحول عدد كبير من المعاشيين إلى (مُتسولين) بالأسواق بعدما تغيير الحال ولم تتم معالجات لتشوهات المرتبات تواكب الزيادات المهولة للسلع، ونوّه إلى أنه حسب القانون أن مرتب المعاشي يعادل 75% من نسبة إجمالي المرتب أثناء الخدمة على أن تستقطع نسبة 25% فقط ، وكشف عن عدم تفعيل القانون وإعطاء المعاشي فتات من تعب وشقى سنين خدمته لا تسمن ولا تغني من جوع، وطالب بزيادة مرتب المعاشيين إلى 10 آلاف جنيه كتقييم لفترة عملهم ومكافأة وتحفيز لما بذلوه في خدمة الوطن ، وناشد جهات الإختصاص بتفقد أحوال المعاشيين، وما هو وضعهم الآن؟ مُشيراً إلى أن قيمة المرتب الآن لا تساوي مشوار الوصول إلى البنك الأمر الذي جعل المعاشي يتركه إلى الشهر المقبل وصرف مرتبين لضمان الرجوع إلى منزله وبيده بقايا من شيء اسمه مرتب معاشي.
حديث العارفين
ويقول محمود موظف بالصندوق القومي للمعاشات ل (السوداني) أن معاشات الخدمة المدنية موحدة منذ العام 2002م وحدث لها تعديل في العام 2006 م ، ووصف أحمد مرتب المعاشيين بالضعيف ولا يلبي المنصرفات والاحتياجات اليومية، ونوه إلى أن قبل زيادة مرتبات الخدمة المدنية في العام الماضي حينها مرتب المعاشي يتراوح مابين 1.300 إلى 1.400 جنيه لتتم تعديله بإضافة مبلغ 2000 جنيه لكل معاشي ليصبح 3.400 جنيه الآن، وكشف عن مطالبات اتحاد المعاشيين المتكررة عن المعالجات ومناشدتهم، لرئيس مجلس السيادة، والوزراء ، ووزارة الرعاية والضمان الاجتماعي ولم تتم استجابة لمطالبهم، ورد على سؤالنا ماهي الفائدة التي يجنونها من الاشتراكات الشهرية واستثماراتهم(الاستقطاعات) قال إن المبلغ المستقطع من مرتب كل معاشي هو (5) جنيهات ترد له في حالة طلبه لسلفيات مجدولة وقروض لعام أو لـ (6) أشهر تخصم من المرتب، إضافة إلى مشاريع البيع بالاقساط يتماشى مع المرتب.
ظلم كبير
ويقول الخبير الإقتصادي د. محمد الناير لـ ( السوداني) إنَّ تعرض شريحة المعاشيين لظلم كبير في كافة الحقب التاريخية للحكومات السابقة خصوصاً في فترة الحكومة الانتقالية ، وكشف الناير أن دول العالم المتقدم يحصل فيها المعاشي على ميزات أعلى من وجوده في الخدمة، ونوه إلى أن قبل أعوام قررت الحكومة الفرنسية تمديد سن المعاش من 60 إلى 62 عاماً وجد هذا القرار رفضا شعبيا واسعا مما يؤكد حصول المعاشي على تسهيلات وحوافز توازي حجم تضحياته في فترة سنين الخدمة، مشيراً إلى حدوث العكس تماماً في بلادنا بحيث يسعى الموظف لتمديد سنين الخدمة هروباً من قيمة مرتب المعاش الذي لا يتوافق مع احتياجاته، وقال إن الحكومات في العهود السابقة عملت على عدم تعديل الراتب الأساسي للموظف حتى لاينعكس ذلك إيجابا على معاشه على أن يُمنح مبلغا إضافيا كتحايل على القانون، وأوضح الناير أن مرتب المعاشي الذي يعادل 3 آلاف جنيه ليس له وزن في الأسواق وربما لا يزيد عن شراء فاتورة الكهرباء الشهرية، وجزم أن الحد الأدنى لمعاش أسرة متوسطة مكونة من 5 أشخاص يتراوح مابين 50 إلى 60 ألف جنيه ، وعن تحول عدد كبير من المعاشيين إلى متسولين؟ قال إن هذا لا يشبه الدولة وأن تحول القياديين بالدولة إلى(شحادين ) بعد تقاعدهم أمر معيب ، وطالب الدولة باتخاذ إجراءات جريئة برفع مرتبات المعاشيين إلى 5 أضعاف ومساواتهم مع مرتبات الدرجات الوسيطة والعمالية تكريماً للسنوات التي افنوها في خدمة البلاد والمساهمة في انتشالهم من دائرة الفقر.
بُشريات مُقبلة!!
وأَكَّدَت مصادر بالصندوق القومي للمعاشات والتأمينات الاجتماعية ل (السوداني) عن سعي الصندوق لمعالجة مرتبات المعاشيين في القريب العاجل ، وكشفت عن بُشريات لتحسين رواتب المعاشيين في القطاعين الحكومي والخاص في الأيام المقبلة، ونوهت المصادر أن عدد المعاشيين في القطاعين يزيد عن 300 ألف معاشي ، ونوهت إلى جلوس الصندوق القومي للمعاشات والتأمينات الاجتماعية، وإدارة الجهاز الاستثماري للضمان الاجتماعي ، ووزارة التنمية الاجتماعية، لمعالجة أجور المعاشيين بنسب مقدرة اضافة للمنح.
الخرطوم: اليسع أحمد
صحيفة السوداني