التصريح أعلاه يتجاوز مضمونه البائس ليقدم صورة مؤسفة وواقعية لما آلت إليه الأوضاع في بلادنا من بؤس وتخلف وتراجع في كافة مناحي الحياة..
قبل أن أكتب المقال سألت كثيراً، وأصدقكم القول إنني تمنيت أن يكون ما قرأته (كاميرا خفية) او خدعة ( فوتوشوب). .تأملوا معي تصريح مامون حسن، المدير العام لهيئة مياه ولاية الخرطوم وهو يعلنها داوية دون أن يرمش له جفن: ( قررنا توزيع المياه بالتناكر بواقع برميل لكل منزل).
لاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، صمت الرجل دهراً ونطق كفراً وبؤساً، انتظرنا أن يطرح الرجل الحلول المتقدمة والمبادرات الخلاقة والذكية لمشكلة المياه في الخرطوم بحكم مسؤوليته ومن منظور علمي يستصحب روح التغبير وقدرته على تحسين أحوال الناس .
للأسف خرج مأمون ونطق كفراً بهذا التصريح الأشتر الذي لا نملك إزاءه الا القول : إنا لله وإنا إليه راجعون ولاحول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
قال مأمون ل(صحيفة الحداثة) الصادرة أمس : إن اللجنة التي قررت هذا الحل العبقري لأزمة المياه بولاية الخرطوم؛ ممثل فيها الوالي أيمن نمر ، وطالما كان الأمر كذلك؛ فمن المنطق أن يكون رئيسها الوالي، وهذه طامة كبري تضاف للنكسات والأزمات التي تمر بها الولاية وهي ترابط في مسرح اللامعقول وتجعل من حياة المواطن المعيشية غاية في السوء والبؤس والشقاء..
نعم تراجعت الحياة في أكثر من مجال وخدمة، وجاء الدور على المياه، المواطنون وفي ظل أزمة الغاز عادوا لشراء الفحم واستخدام الحطب في الطهي ، واستخدموا المشلعيب ومترادفات حفظ الطعام البلدية حينما خاصمت الكهرباء حتى ثلاجات الموتى ناهيك عن الأحياء ، أوقد الناس (اللمبة ام شريط) مع تزايد قطوعات الكهرباء وتدافعوا لشراء الثلج الذي قفز ثمن لوحه إلى ثمانمائة جنيه عداً نقداً.
خاصم المواطنون المستشفيات حينما عز العلاج وأغلقت بعضها الأبواب بالضبة والمفتاح وفشلت الأخرى في استقبال حالات المرض المتزايدة، من يستطيع اليوم أن يجد سريراً مدفوع القيمة وبالمليارات في مستشفى خاص، ناهيك عن متكأ في مؤسسات الميري الصحية التي بني فيها العنكبوت، نعم عاد الناس إلى الأدوية البلدية في العلاج لتفادي أزمة المشافي إلا للشديد القوي .
جاء الدور على المياه وقررت حكومة ولاية الخرطوم أن توزعها بالتناكر بواقع برميل لكل بيت، يا إلهي أي درك سحيق وصلناه والحياة ترتد بنا إلى العصر الحجري، التصريح إعلان لحالة فشل استعصت على الحلول والأسوأ فيه التأكيد على أن إدارة المياه استنفدت كافة فرص الحلول الممكنة وطفقت تخرمج بمعالجات بائسة ومتخلفة وغير عملية بالطبع.
ليس عيباً أن تسلم عهدتك وتمضي يا مأمون حسن ، سيحفظ لك التاريخ هذا الصنيع وأنت تفسح المجال لشخص خلاق ومبدع وقادر من باب احترامك لنفسك، ولكن أن تتشبث بالمنصب وتقدم مثل هذه الحلول الساذجة لأزمة في ملف حيوي يرتبط بحياة الناس، وتدلي بمثل تصريحات فهذا هو الذنب الذي لا يغتفر .. اللهم لطفك يا الله..
صحيفة اليوم التالي
