مقالات متنوعة

مكى ميرغنى عثمان يكتب: تحديات ومهددات محمية الدندر القومية


مستشار إقتصادي
ورد فى صحيفة الانتباهة خبر حول لقاء وفد من ولاية سنار بالسيد/ مالك عقار / عضو مجلس السيادة وطلب الوفد- حسب الخبر – تدخل السيد عقار لدى الجهات المعنية لاسترداد بعض الأراضى التى استقطعت من الولاية (ولاية سنار) لصالح امتداد محمية الدندر الطبيعية . هذا صحيح فقد سبق أن أتخذت الحكومة الاتحادية قرارا صائبا ومدروسا لتوسيع حدود محمية الدندر الوطنية بعد أن توالت المهددات لاجهاض مجهودات المحافظة على هذا الارث العظيم، عقب تعديات ممنهجة من المواطنين وحكومات الولايات (سنار والنيل الأزرق والقضارف) فما كان على الحكومة الاتحادية الا أن تتخذ القرار بامتداد مساحة المحمية على حساب الولايات الثلاث لتشكيل حائط حماية (Buffer Zone) لتعزيز جهودها للحفاظ على المحمية وبالتالى فان امتداد المحمية اقتضته التحديات القائمة والهجرات حول الحديقة والاعتداءات مما قاد لتدهور البيئة الطبيعية خاصة من قبل المزارعين والرعاة والمحتطبين والصيادين وهذا القرار يصب فى تعزيز حماية المحمية والحفاظ على التنوع الحيوى باعتبارها مورد طبيعى قومى تستفيد منه الولايات الثلاث المتاخمة (سنار والنيل الازرق والقضارف).
بما اننى قصدت من هذا المقال التنوير والتنبيه بللمهددات التى تواجهها المحمية التى قد تقود لزوالها فنورد خلفية حول انشاء هذه المحمية حيث تم إنشاء محمية الدندر الوطنية في عام 1935 في أعقاب اتفاقية لندن لعام 1933 ، وهي واحدة من اثنين من المحميات الطبيعية في السودان, و تقع محمية الدندر الوطنية في شرق السودان وبشكل رئيسي في ولاية سنار، على الرغم من أن أجزاء من المحمية تقع داخل حدود ولايتى النيل الأزرق والقضارف. المحمية جزء من السهل الفيضى الطيني لنهري الدندر والرهد ، على ارتفاع (700 إلى 800 م). وتغطي مساحة (7,123 كيلومتر مربع). وهى غنية بالحيوانات والنباتات. و يجتاز نهر الدندر والعديد من الروافد الأخرى المحمية و يتكون الغطاء النباتي في المحمية من السافانا الشائكة في الشمال والغابات في الجنوب. على طول ضفاف النهر توجد غابات الدوم و السنط ومناطق المستنقعات. تضم المحمية 27 نوعًا من الثدييات الكبيرة و الصغيرة وأكثر من 160 نوعًا من الطيور و32 نوعا من الحيوانات الزواحف والبرمائيات. كما تقع في مسار طيران رئيسي تستخدمه الطيور المهاجرة بين أوراسيا وأفريقيا بالإضافة إلى أنه يوجد حوالي 58 نوعًا من الشجيرات والأشجار (المجلس الأعلى للبيئة والموارد الطبيعية ، 2001). تشمل الحياة البرية الزراف والأسود والجاموس والخنازير والنعام والضباع والثعالب وغيرها وأنواع من الغزلان منها : المور و أم سير والكتمبور والباشمات والتيتل ، شوهدت سابقا أحيانا حيوانات أخرى منها وحيد القرن الأسود ، النمر ، الفهد ، الفيل. وهناك تنوع المجتمعات المحلية بما في ذلك القبائل الأصلية التي تعيش حول منطقة المحمية .
محمية الدندر الوطنية واحدة من محميتين في السودان تم تصنيفهما كمحميات المحيط الحيوي. ويتراوح معدل هطول الأمطار السنوي في المحمية بين 600-800 ملم وهناك ثلاثة أنظمة بيئية رئيسية: ، النهرية والغابية و “الميعة ” الأنظمة البيئية المنخفضة” . (الميعة هي بحيرات (تسمى الفروش محليا) على طول الأنهار المتعرجة ؛ المحمية معرضة للفيضانات وتحتوي على علف أخضر ومياه حتى نهاية موسم الجفاف. تعتبر محمية الدندر الوطنية ذات أهمية بيولوجية لأنها تقع على الحدود بين منطقة الساحل والمناطق البيئية الإثيوبية. ولكل هذه الميزات كانت قبلة السياح من كافة انحاء العالم .
حسب متابعاتنا تسعى الآن الحكومة الانتقالية – التى تبنت ضمن برنامجها حماية الموارد الطبيعية واستغلالها الاستغلال الأمثل لصالح الاقتصاد الوطنى – لتبنى الاصلاحات المؤسسية والقانونية ومنها معالجة الحدود والتأمين على قومية ادارة المحميات الطبيعية الوطنية أو تبعيتها للحكومة الاتحادية وازالة التقاطعات القائمة بين الأجهزة المختصة بادارة الموارد الطبيعية وبالحياة البرية على وجه الخصوص. وقد أبدى بعض شركاء التنمية استعدادهم لدعم هذه المجهودات خاصة انها تصب فى المحافظة على البيئة والحياة البرية. ولكن فى رأيى انه بدون بناء قدرات المحمية ، وزيادة الوعي الضروري بأهميتها ومساهمتها المحتملة في الدخل القومي وتنمية المجتمعات المجاورة لها من خلال تحسين مستويات المعيشة ، لن يتحقق اى دعم مستدام.
ونتطلع أن تستقطب الحكومة الحالية الدعم من شركاء التنمية لتحديث الدراسات السابقة واجراء دراسات جديدة وتعزيز الجهود المبذولة لتطوير محمية الدندر الوطنية الذى أصبح مشروعا استراتيجيا وصولا لاتخاذ قرار مستنير بشأن الطريق إلى الأمام ، ناهيك عن تصميم مشروع جديد للحفاظ على المحمية. وقد قاد هذا العمل برنامج الأمم المتحدة الانمائى وصندوق البيئة والاتحاد الأوربى -الذي ركز بشكل أساسي على مجالات الحفظ والإدارة في محمية الدندر الوطنية (2000-2006) اضافة للجهود الوطنية الأخرى التي يقودها المجلس الأعلى للبيئة والموارد الطبيعية ووزارة السياحة والإدارة العامة للحياة البرية وجمعية المحافظة على البيئة السودانية. لحسن الحظ تتوفر عدد من الوثائق والدراسات حول محمية الدندر الوطنية – يمكن أن تشكل مرجعية قوية لاية تدخلات قادمة – وقد تم اعدادها من قبل مختصين باشراف من المجلس الأعلى للبيئة والموارد الطبيعية (وفى هذا الاتجاه نثمن مساهمات د. معتصم نمر رحمه الله وزملائه) : تشمل الاستخدام المستدام للموارد الطبيعية وخطة إدارة محمية الدندر الوطنية وبعض المسوحات البيئية والاجتماعية التى تمت فى العام 2002 فى الولايات الثلاث (سنار و القضارف وسنار والنيل الأزرق.)
يتضح من أعلاه أن بيئة محمية الدندر الوطنية مهددة ويمكن تلخيص المهديدات الرئيسية التي تواجهها كما وردت بعض الدراسات فيما يلي (1) عدم وجود مخططات مناسبة لاستخدامات الأراضي في الولايات الثلاث المحيطة بالمحمية (2) ضعف القدرات الإدارية وعدم تنفيذ خطة إدارة المحمية التى سبق اعدادها (3) زحف رعاة الماشية على المحمية على الرغم من القانون الصارم الساري الذي يحمي المحمية (4) التوسع في الزراعة الآلية المطرية حول المحمية مما كان له أثر مدمر على المراعي والغابات ومناطق الحياة البرية (5) استمرار النزاعات بين المزارعين والرعاة كما تحدث النزاعات أيضًا بين الرعاة وسلطات المحمية مما أدى في بعض الأحيان إلى مواجهات عنيفة راح ضحيتها البعض (6) استيطان عشر قرى داخل حدود المحمية (7) البنية التحتية الضعيفة بما في ذلك طرق الوصول وداخل المحمية (8) يشكل الصيادون الذين غالبا ما يكونوا مسلحين تهديدا آخر حيث أن المحمية غنية بموارد الأسماك والحيوانات البرية والخشب والعسل والصمغ العربى والطيور (9) عدم وجود حدود للمحمية وعدم ترسيم الحدود داخل الولايات الثلاث (سنار والقضارف والنيل الأزرق) ونأمل أن يعالج مؤتمر الحكم القادم مسائل الحدود بين الولايات (10) وجود مخاطر أمنية على الحدود الإثيوبية السودانية المجاورة للمحمية ورشح ان هناك بؤر استيطانيةكما حدث فى منطقة الفشقة.
ختاما أرى أن تركز الحكومة على مواجهة التحديات والمهددات التي ساهمت في تدهور المحمية التى انعكست في سوء الإدارة و انخفاض أعداد الحياة البرية والممارسات التي أثرت سلبًا على النظم البيئية الشاملة التي كانت في الأساس من صنع الإنسان ، والإهمال ، وعدم توفر الموارد البشرية والمادية. ولا شك أن المحمية بعد تطويرها يمكن أن تشكل موردا اقتصاديا هاما وتساهم فى الدخل القومى كما فى دول شرق وجنوب أفريقيا. كما نرى أن تخضع مجهودات ومقترحات المشروعات التى تطال تطوير وتنمية وحماية المحمية لمشارورات واسعة بين ولايات سنار والقضارف والنيل الأزرق والمواطنين الذين يعيشون داخل وفى تخوم المحمية . ونقول للذين يسعون للزراعة فى محيط أو داخل محمية الدندر الطبيعية ارض الله واسعة للزراعة فى مناطق اخرى خارج أسوار المحمية فالسودان لم يستغل الا 15% (حوالى 30 مليون فدان) من كل الأراضى الصالحة للزراعة التى تبلغ مساحتها 200 مليون فدان ، حسب مخرجات المؤتمر الزراعى الشامل الذى عقد فى مارس 2021 ا .

صحيفة الانتباهة