عبد اللطيف البوني

لو استقبلت من امري ما استدبرت


(1 )
صديقنا الراحل المقيم \ عبد الرحيم يس وسع الله مرقده وأصبغ عليه شآبيب رحمته كنا نسكن غرفة واحدة في البركس. عندما عاد خاله بابكر كرار من ليبيا طلب من عبد الرحيم أن ياتيه بعدد من زملائه في الجامعة لكي يعرف كيف يفكر الجيل الجديد، ويعطيهم شيئاً من معارفه وتجاربه ويومها كنا لانعرف عنه كثير شيء فاخبرنا عبد الرحيم بذلك ونحن خمسة من المقربين لديه فتحمست أنا وآخر للفكرة وبينما استخف بها الآخرون فثبطونا ونامت الفكرة وفيما بعد اكتشفت أن بابكر كرار ليس سياسياً عادياً بل كان مفكراً ضخماً وله بصمة كبيرة في تاريخ الفكر السياسي السوداني فهو المؤسس لحركة التحرير الإسلامي في حنتوب، تلك الحركة التي انبثقت عنها حركة الإخوان المسلمين وهو المؤسس للحزب الاشتراكي الإسلامي، لقد سبق البعث وعبد الناصر في تحوير الاشتراكية وقيل إنه مع عبد الله زكريا ألفا الكتاب الأخضر للقذافي، وقد اتفق الترابي ونقد على وصفه بأنه إنسان عبقري، فحتى الآن لا أستطيع أن أتخيل الفرصة التي ضاعت منا في عدم الذهاب إليه.
(2 )
كنت ومازلت معجباً بالفنان الذري إبراهيم عوض وكنت كثير الكتابة عن أغنياته لدرجة تأليف كتيب عنه بالاشتراك مع الصديق الأستاذ / طارق شريف بعنوان (ابراهيم عوض خمسون عاماً من الغناء العذب)، كل هذا ولم التقه ولعل السبب في ذلك يرجع إلى أنني قابلت أحد كبار الإذاعيين دون سابق معرفة، وقال لي إنه متابع لما أكتب عن إبراهيم عوض ورغم إنها كتابات صادرة عن محبة إلا أنها موضوعية لأنك لم تلتقِ بإبراهيم عوض لذلك أنصحك بالابتعاد عنه وعدم ملاقاته لأن كتاباتك بعد اللقاء ستكون صادرة عن علاقة شخصية وبعيدة عن الموضوعية. فتمسكت بنصيحة ذلك الرجل (الفاهم) إلى أن أجبرني الأستاذ الكبير علم الدين حامد على الذهاب إلى بيت إبراهيم عوض لتسجيل حلقة في برنامج “صالة العرض” برفقة أستاذنا عيسى الحلو لأن إبراهيم عوض اشترط حضوري. عندما دخل علينا إبراهيم عوض في صالونه وقف في الباب ونظر إلى قائلا (ياخي وين إنت أنا روحي مرقت عشان ألاقيك )، أضاف مغنياً (بزيارتك بيتنا نور ..)،وتقالدنا وأشهد الله أن الدموع انهمرت من كلينا وأمضينا وقتاً طيباً مع إبراهيم وأسرته المضيافة واتفقنا على مواصلة اللقاءات ولكن بعد أشهر قليلة من ذلك اللقاء توفى إبراهيم عوض والآن أنا في غاية التأكد لو كنت قريباً منه في حياته كنت سأخرج بكنز فني يثري المكتبة السودانية، لقد ضاعت مني فرصة لا تعوض.
(3 )
كنت ومازلت ولعاً بالموسيقى في الأغاني السودانية خاصة تلك التي تسمى (الصولو) أي عندما تنفرد آلة واحدة أثناء الأغنية، مثل الصفارة في أغنية الوسيم لأحمد المصطفى، ومثل العود في كثير من أغنيات أبو اللمين خاصة الحب والظروف أو الجيتار في مقدمة بعض أغنيات محمد وردي، فقررت تعلم آلة الجيتار وبالفعل وأنا طالب بالجامعة ذهبت إلى مركز شباب بحري فطلبت الانضمام إليهم فعمل لي أستاذ الموسيقى معاينة إذ أعطاني دربوكة وقال لي أعمل أي إيقاع بتعرفه، ففعلت فوصفني بأنني أشتر لكن ممكن أتعلم بصعوبة وأحتاج لشوية صبر، فزهدت في الأمر، فالرجل قفل نفسي في حين أنه كان يمكن أخذ كلامه كتنبيه مبكر ودفعاً للإصرار حتى لاتلين عزيمتي ولكنه قلق الشباب الذي أضاع علىّ تلك الفرصة .

صحيفة السوداني