حيدر المكاشفي

أراضي محمية الدندر والمتعافي (التفتيحة)


على خلفية قضية التعديات الكبيرة على أراضي محمية الدندر القومية التي تمت إبان العهد المخلوع، عادت بي الذاكرة الى الخلف نحو سبع سنوات لاتذكر واستعيد ما سبق أن نشرته الغراء صحيفة (الانتباهة) عامها، ومؤدى ما نشرته (الانتباهة) أن شرطة محلية الدندر القت القبض على أحد أشقاء المتعافي الذي كان يشغل منصب وزير الزراعة وقتها، وأودعته الحراسة لعدة ساعات قبل أن تفرج عنه بالضمان، وذلك على خلفية التهمة التي وجهتها له سلطات محمية الدندر بتعديه على المحمية وممارسة القطع الجائر للأشجار والزراعة بداخلها، وكان خبر (الانتباهة) موثوق وموثق بالمصادر ورقم البلاغ وليس مثل خبرها (المضروب والمشتول لغرض غير برئ)، عن السيدة الافريقية التي قدمت الى الخرطوم لتصوير أفلام اباحية، والذي لم تعتذر عنه بل للأسف كابرت فيه رغم اصدار الشرطة لبيان نفت فيه صحة الخبر جملة وتفصيلا، وهذا من ألف باء أخلاقيات المهنة التي لا يجوز القفز عليها و(تطنيشها)…المهم أن خبر شقيق الوزير إستوقفني لكونه يمس أيضا أحد من كان من ولاة أمرنا وهو الدكتور عبد الحليم اسماعيل المتعافي وزير الزراعة حينها، ليس لأن المتعدي شقيقه وهذه حقيقة، بل لأنه شريكه باعتراف المتعافي الوزير نفسه، الذي قال مرة على رؤوس الاشهاد (أنا ما كيشة وزول مفتح كويس ومسجل حاجاتي باسم أخواني) ومما أضافه أيضا (ليست هناك رخص تجارية باسمى ولكني مساهم مع إخوتي في مجموعة أستثمارات وأراقب من بعيد)، فالمتعافي باعترافه ليس (كيشة) يمارس العمل التجاري والاستثماري بإسمه ورسمه وخاتمه، وإنما من وراء حجاب بالمشاركة مع إخوانه الذين تصدر (الرخص) باسمائهم، ومن هذا الباب فإن ما وقع على محمية الدندر من شقيق المتعافي يستلزم النظر إلى هذه الواقعة باعتبار أنها (تعدي مزدوج) تداخل فيه الخاص مع العام، وليس مثل أي تعد آخر يقع من أي مستثمر عادي ليس له شريك ولو من الباطن من أهل السلطة..
والشاهد فى خبر المتعافي وشقيقه انه يكشف الى أي مدى استغل متنفذو النظام البائد سلطاتهم في ممارسة السلب والتعدي، بل والتوسع فيه ليشمل أقاربهم واصدقاءهم ومعارفهم، ثم أن الخبر يكشف أيضا عن كيف كانت المسؤوليات توسد لغير اهلها الخبيرين بها، فالمتعافي المستوزر المستثمر للغرابة هو وزير الزراعة، فمن جهة هناك علاقة وطيدة بين الزراعة والغابات والبيئة والمناخ والتربة والحياة البرية، ومعروف أن أي خلل يصيب الغابات سينعكس سلبا على الزراعة في المستقبل وهذا باب يطول الحديث حوله وليس هنا مجاله، ولكن المفترض أن يكون ذلك مما قد علمه وزير الزراعة بالضرورة وأن يكون هو الأحرص من دون الآخرين أن لا تمس شعرة من رؤوس الأشجار دعك من أن تجتث من جذورها، ومن جهة أخرى فان شراكة الوزير في هذا العمل لا توقعه في إثم القطع الجائر للغابات والتعدي على أراضي المحمية فحسب، وإنما أيضا تضعه تحت طائلة الجمع بين الامارة والتجارة وما يترتب على ذلك من أضرار تنجم عن تضارب المصلحة بين ما هو للأمير وما هو للتاجر، وقد كتب ابن خلدون فصلا كاملا في ذم مثل هذه الممارسة المزدوجة كما ذمها أيضا طيف واسع من الفقهاء، وهكذا تكشف أن جماعة هي لله هي لله لا للسلطة ولا للجاه، كانوا يكذبون اذ وضح تماما ان مشروعهم لم يكن لله وانما كان للسلطة والجاه والمال..

حيدر المكاشفي
صحيفة الجريدة