عبد اللطيف البوني

بعد العيد وقبل الكتابة


كل عام وأنت بخير عزيزي القارئ وان جاءت متأخرة شوية ،فالعبد لله أجاركم الله أصبحت ساعته البايلوجية والاصطلاحية متأخرة، فللزمن أحكامه وللأيام سطوتها . عند بدء الكتابة بعد كل عيد اتذكر مناشدة صديقنا الراحل المقيم \سعد الدين إبراهيم التي تطالب بعدم ذكر بيت المتنبئ (عيد بأي حال عدت ياعيد بما مضي أم لأمر فيك تجديد) باعتبار ان كثيرا من الكتاب يتمثلون هذا البيت وهم لا يدركون عظيم مغزاه كما هو الحال في كل شعر المتنبئ . كم تمنيت لو أنني تجنبت هذا البيت امتثالا لطلب صاحب العزيزة المابتسأل عن ظروفنا (سعد الدين) ولكن لم استطع، فالعيد ببؤسه ورتابته (غشانا وفات) كما قال التيجاني سعيد ولم يغير أيامنا الكالحات (عدت ياعيدي بدون زهور \ وين سمرنا وين البدور\ غابوا عني) كما غنى ود القرشي (ياميلة بختك يا أمة السودان).
(2 )
عندما أنشد المتنبئ بيته سالف الذكر (عيد بأي حال..) كان وحيدا هاربا يترصده الأعداء .بينه وبين الشمل والأحباب بيداء دونها بيد، فكان يومه كأمسه وأمسه كغده ولكن رغم ذلك تذكر العيد مما يشي بأن للعيد بعدا ذاتيا وليس كله موضوعيا بمعنى ليس التغيير الذي حل في الناس والأشياء حولك هي التي تشعرك بالعيد انما هو شعور داخلي ينبع منك بأن هذا اليوم غير بقية الأيام وكم تمنينا ان يكون هذا العيد الأخير مختلفا عن الأعياد التي سبقته كي نحس به إحساسا داخليا ينبع من الوجدان، ولكن لحسرتنا في هذا السودان ظللنا ومنذ أعوام كثيرة مضت نتذوق طعم مرارة عدم التقدم وفقدان النمو والمزيد من التراجع، وكأننا في كل عيد نرزل وكمان في الآخر جابت ليها خوف , خوف من مقبل الأيام وكأنها تضمر لنا حزمة شرور أكثر من الذي نحن فيه الآن (ويا ميلة بختك يا أمة السودان).
(3 )
ومع كل الذي تقدم فإننا نحمد لأهلنا في السودان انهم ظلوا يقاومون الإحباط واليأس والقنوط فيبذلون لكل عيد ما كانوا يفعلونه في الأعياد السابقة. ففي أعياد الفطر يشترون الجديد من الملابس والحلوى والمخبوزات مهما غلى ثمنها، وفي أعياد الفداء يضحون مهما ارتفع ثمن الأضحية فيسعد الأطفال وتكتسي المنازل بالفرحة ، ولكن تظل الدواخل تغلي وتنزف لأنها تستصحب الحالة العامة للبلاد وعدم المقدرة على ركل التخلف والتقهقر وانعدام القيادة الرشيدة والقدوة التي تمتثل، فيطل السؤال الذي يسبب الأرق الى متى ؟ (وياميلة بختك يا أمة السودان).
(4 )
كان يمكن ان يعود العيد الأخير بغير مامضى , كان يمكن ان يكون به جديد فالبلاد نعمت بحرية بفضل ثورة ديسمبر المجيدة وخرجت من عزلة طويلة ولكن للأسف أطل نقصان القادرين على التمام وتقدم السياسيون الركب وعادت ذكرى فض الاعتصام اللئيمة بالمزيد من الدماء فغيرت إذاعتنا وفضائتنا برمجتها العيدية الى (كواريك) سياسية، فتحولت أيام العيد من أيام تكبير الى أيام تكشير (ويا ميلة بختك يا أمة السودان )، ومع كل الذي تقدم لابد لنا من التمسك بجذوة الأمل ولابد منا ركل اليأس والقنوط، ولابد لنا من النهوض ولابد من شحذ الهمة ولابد لنا من العمل ولابد لنا من الكتابة التي تكشف العورة لتسترها وتكشف العتمة كي تزيلها والظلمة كي تنيرها . فموعدنا الغد إن شاء الله.

عبد اللطيف البوني
صحيفة السوداني