عبد اللطيف البوني

تعبيد الطريق لسيارة عطلانة


(1 )
ديون السودان المتلتلة لا يعلم رقمها بالضبط إلا المولى عز وجل فاذكر أن السيد الصادق المهدي عندما كان رئيسا للوزراء استدعى الاقتصادي الضليع عبد الله واتي الذي اصبح رئيسا للسنغال فيما بعد لحصر هذه الديون وتقديم دارسة بشأنها ولكن الانقاذ لم تمهل السيد الصادق اذ خطفت السلطة وتجاهلت امر الديون عن عمد بحجة انه لا توجد دولة تم سجنها بسبب الديون كما قال احد وزراء ماليتها ولكن ما لم يدركه ذلك الوزير أن الدولة يمكن أن تسجن سجنا افظع من السجن اب اربعة حيطان بسبب الديون اما عدم ادارك حجمها بالضبط فهذا راجع لاختلاف طريقة حسابها بين الدائن والمدين ولتداولها بين الدائنين وللتباين الكبير بين اصلها وفوائدها المركبة فيقال لك إن الدين الفرنسي على السودان اربعة مليارات دولار لتجد أن اصل هذا الدين لايتجاوز المائة وخمسين مليون دولار . هذه الديون تكشف امرين اولهما بشاعة ووحشية النظام الراسمالي الغربي المتحكم في البشرية الآن وثانيهما فساد وجهل حكام الدول المديونة وهذه قصة اخرى.
(2 )
كان السودان مكبلا بالكثير من القيود وزاد التكبيل وتشعب في الانقاذ فاصبح مطبقا عليه وكانت الديون احدى وسائل هذا الاطباق حرمه حتى من النظر في ديونه فلم ينعم بالهيبك نسبة لوجوده في اللائحة الامريكية اياها لذلك كان لابد للحكومة الانتقالية التي اعقبت الانقاذ من أن تعمل جاهدة لتخليص البلاد من هذه القيود الدولية فاتبعت سياسة الموالاة والمصانعة تجاه دول الطغيان الغربي اذ أن البلاد لا قدرة لها على الملاوة والمقالعة ناهيك عن التحدي او حتى المقاومة فنجحت الحكومة في الخروج من اللائحة اللعينة ولكن بثمن باهظ يتمثل في التطبيع ورفع الدعم وتعويم الجنيه واطاعة كل اوامر (اصدقاء السودان) على قول البدوي وهبة محمد علي و(شركاء السودان) على قول عائشة البرير طبعا هنا الاصدقاء والشركاء بين هلالين كبيرين.
(3 )
كان لابد من أن تكون الخطوة الاخرى في تفكيك القيود هو الاتجاه لمسألة الديون وخلخلتها على الاقل إن استعصى حلحلتها فكان مؤتمر باريس الاخير الذي اقام الدنيا ولم يقعدها وفي تقديري أن مجرد وضع الديون على طاولة التشريح والاقتراب من الدخول في الهيبك مكسب فالمسألة معقدة وكان لابد لها من بداية لفكفكة تعقيداتها فكان مؤتمر باريس وما صاحبه من افرازات سياسية . فاما أن يرتفع الدولار ويسقط الجنيه الى ارقام قياسية في الحالتين فهذه لعبة (قردية) يدخل فيها الصراع المحلي والاقليمي والدولي (الفرنسي \الامريكي) وهذه قصة اخرى ولكن في كل الاحوال يمكننا القول إن المخرجات جيدة وتحسب للحكومة اذ اصبح في مقدور السودان أن يلعب على عدة حبال ولكن كلها غربية.
(4)
اجمل تعليق على مؤتمر باريس وما سبقة من سياسات خارجية هو ما جاء على لسان الشاب المهندس، مجاهد خلف الله صاحب الكتاب المثير (دعهم يجوعوا) اذ قال إن الحكومة الانتقالية برفع اسم السودان من لائحة دعم الارهاب وانهاء عزلة السودان ورفع الدعم والاقتراب من مسألة الديون قد مهدت الطريق للانطلاق لكن المشكلة في أن العربية عطلانة . ولعله يقصد عدم التفات الحكومة للجبهة الداخلية عليه يبقى الامر واضحا وهو لن تكون هناك فائدة للطريق المعبد اذا لم يتم اصلاح السيارة فمتى تحمل الحكومة مفاتحيها ومفكاتها وتدخل تحت العربية لإصلاحها ؟ غدا إن شاء الله نفصل اكثر.

عبد اللطيف البوني
صحيفة السوداني