حيدر المكاشفي

الخروج من الجوطة

كأني بلسان حال الاستاذة عائشة موسى التي تقدمت باستقالة نهائية من مجلس السيادة، يقول (لقد خرجت من الجوطة)، على طريقة المرحوم محمد توفيق الوزير والصحافي المشهور، الذي استقال من الوزارة وعندما سئل عن السبب، قال (لقد خرجت من الجوطة)، ومعلوم أن من يعك مع العاكين ويجوط مع الجائطين داخل معمعة الجوطة في سوق أم دفسو السياسي، قد يعشى بصره وتتقاصر بصيرته عن إدراك الحقيقة ناصعة بلا رتوش..أما وقد ضربت الفوضى والجوطة الآن اطنابها في الحاضنة السياسية المفترضة (قحت) وانقسمت الى كويمات متشاكسة، وجب الخروج عاجلا من هذه الجوطة، وليس من خروج آمن من (دفسيبة الدافوري السياسي) القائمة اليوم سوى العودة الى منصة التأسيس، للتوافق مجددا على برنامج محكم ودقيق يعالج كل الاخفاقات والثغرات السابقة التي تسببت في هذه الفوضى ويحكم سدها..
في خضم هذه الفوضى والجوطة عنَّ لي أن أتساءل بغير براءة عن هذا الشئ (القسموه وما لحق) على قول الحبوبات وتسبب في كل هذا الصراع والتلاسن بين مكونات (قحت) الذي يدور بعيدا عن هموم الشعب، فالشعب لا يريد شيئا غير أن يأتلف الجميع ويلتقوا في رحاب الوطن الكبير، ويجمعوا على كلمة سواء، وذلك بأن يتوافقوا على برنامج حد أدنى يلملم شتات البلاد أولا ويعصمها من الانزلاق إلى مآلات مؤلمة، انزلقت اليها بعض دول الجوار، ويستجيب ثانيا للمطلوبات الأساسية التي تحتاجها عملية بناء أمة هي بكل المقاييس لا تزال تحت التكوين، وبناء دولة تحتاج الكثير حتى تقف على رجليها كتفا بكتف مع من سبقنها في مجالات التطور والبناء، وهذه مهمة شاقة حتى ولو توافر عليها الجميع بروح النفير دعك من مجموعة مهما ادعت من قدرات وملكات، فالحاجة الحقيقية والماسة التي تحتاجها البلاد بأعجل ما تيسر ليست هي بأية حال الصراعات والاستقطابات والمكايدات والمماحكات والتكتيكات والتلاعب بالشعارات، بل الحاجة إلى أن نوجد أولا وطنا متماسكا بوحدته الثورية وقويا ببنيته الأساسية، لا أن ينخرط السياسيون وينغمسوا في صراع وملاسنات حول لا شيء، فما يسود الساحة السياسية ويسود المشهد الوطني الآن من هرج ومرج واختلافات وانشقاقات حتى بين أهل الحاضنة المفترض أنها موحدة، في الوقت الذي تفتقر فيه البلاد لأبسط الخدمات الضرورية والتي إن وجدت لن يجد الكثيرون المال الذي يوفرها لهم، فذلك لا يبني وطنا بقدرما يهدم حتى القليل الموجود. والبرنامج المطلوب صياغته والالتفاف حوله ليس شيئا عصيا إذا ما خلصت النيات وتوفرت العزائم وخلت النفوس من الأطماع الحزبية والتطلعات الشخصية، وليس هو مما يمكن أن يثير حفيظة أحد أو يتسبب في تحفظ جهة، وإنما بالعكس تماما فهو برنامج يشكل البؤرة التي يلتقي حولها الجميع، فمن ذا الذي يعارض أو يتحفظ على برنامج يصحح مسار الثورة الذي شابه انحراف وطاله اعوجاج بما يتطلب اصحاحه واستعداله، وسؤال الثورة المطروح الآن بقوة هو لماذا تبقى شعارات الثورة وأهدافها الرئيسة تراوح مكانها حتى الآن بلا انجاز، وعلى رأس هذه الاهداف الكشف عن قتلة معتصمي القيادة وغيرهم من الشهداء وتقديمهم للمحاكمة، علاوة على الأهداف الاخرى التي طالما عبر عنها الثوار وهي معلومة بالضرورة لمكونات ادارة الفترة الانتقالية بمجلسيها وحاضنتها، فهل هذا عصي أو عسير أم إن في الأمر إنَّ..

حيدر المكاشفي
صحيفة الجريدة