عبد اللطيف البوني

المفاوضات واللعبة القردية


(1 )
عندما بدأت مفاوضات سلام جوبا في العام الماضي (كوركنا) وكتب أساتذة أفاضل غيرنا قائلين بأن مفاوضات القطاعي هذه لا داعي لها احتراما وتقديرا لثورة ديسمبر الشعبية الظافرة هذا إذا لم يكن جنيا لثمارها وقلنا انه طالما أن كل الذين يحملون السلاح رحبوا بالثورة وقالوا إنهم من صناعها لأن الثورة عمل تراكمي وليست وليدة لحظة واحدة فيجب إسقاط مفردة تفاوض ليكون التفاعل حوارا مباشرا كأن يكون هناك مؤتمر مائدة مستديرة لقضايا السلام في السودان او مؤتمر دستوري توضع على طاولته كل هموم البلاد ومستقبلها، ولكن تجار السياسة والصراع المدني\ عسكري وانتهازية بعض الحركات المسلحة جعلت الأمر امر تفاوض وليس تحاور ثم (كوركنا ) وكتب أساتذة افاضل على رأسهم استاذ الأجيال محجوب محمد صالح قائلين ياجماعة الخير اجعلوا الخرطوم مقر التفاوض كي يحس الجميع انهم أبناء بلد واحد ولأن خرطوم الجن دي فيها كل أهل السودان بمن فيهم التابعون للحركات ولكن كل الكلام ده راح بندق في بحر أما لماذا؟ فهنا اسألوا العنبة الرامية في جوبا .
(2 )
الإصرار على مفردة تفاوض ونقل التفاوض خارج البلاد لم يكن اعتباطا بل هو جزء من اللعبة (القردية ) الدولية الكبرى التي تحرك العالم فالذين قرأوا كتاب السيدة النرويجية ليندا جونسون (اندلاع السلام ) والذي كرسته لكواليس ومدخلات ومخرجات اتفاقية السلام الشاملة (السي بي ايه) 2005 والتي اصطلح على تسميتها بنيفاشا والتي فيها نصوص يغني عليها سرور والتي كانت أهم مخرجاتها انفصال جنوب السودان الذين قرأوا هذا الكتاب سوف يلحظون ان عملية التفاوض لم تعد بالمعنى المباشر التي تشير اليه مفردة تفاوض انما أضحت صناعة عالم خاص للمتفاوضين يغيبهم تماما عن الواقع الذي قدموا منه والسيطرة الكاملة علىهم عقليا ونفسيا لتصبح لهم قابلية لأجندة تملى عليهم وهذه الاجندة غالبا ما تكون من صناعة عقلية ماكرة تهدف لإنشاء واقع جديد ليس بالضرورة ان يكون مرتبطا بالمشكل المراد حله، بعبارة اخرى صناعة سلام ليس بالضرورة ان يكون لحل المشكلة القائم انما تطبيق لأفكار وتهيؤات جهات او أفراد يقفون على الأمر بعبارة ثالثة المرجع هنا ليس بالضرورة المواطنين الذين يدعي الطرفان تمثيلهما انما الأفكار التي يؤمن بها او أمليت على الأفراد او الشلة التي تقوم بعملية التفاوض.
(3)
لكل الذي تقدم لم يعد من المستغرب ان تأتي أفكار او مصطلحات لا يفهمها المواطن العادي لا بل حتى المفاوض نفسه فمثلا عبارة (المشورة الشعبية)والتي يرجع لها سبب ظهور الجنوب الجديد لم تكن في علم أو بال المتفاوضين من الجانبين ولم يسمع بها من قبل أحد منهم لا جون قرنق ولا علي عثمان ولا اي عضو من الوفدين قبل إنزالها عليهم لذلك اجتهد قرنق وأسماها (جنى صغير بتاع تقرير مصير) بينما اعتبر وفد الحكومة ان غايتها مرادفة لمصطلح الحكم الذاتي فاذا هي الآن (ود أم بعلو) لكل الذي تقدم ينبغي ألا نستغرب مطلبا مثل إجازة الأربعاء او غيره، فالشغلانة كلها اغتراب في اغتراب (alienation) للقضايا الواقعية ولكن المشكلة ان ما يتم التوصل له من هذا الاغتراب سوف يتنزل على يا فوخنا ويزيد الأمر تعقيدا ثم بعد ذلك نسعى للتخلص منه ونبحث عن الدرب الذي سوف يرجعنا الى القضية الاساسية (شفتوا التكلفة دي باهظة كيف؟ ) هذا إذا ظل الناس هم الناس .وليكن الله في عون البلاد والعباد .

صحيفة السوداني