ماذا لو أضربت الشرطة
تتناقل وسائط التواصل دعوات متداولة على نطاق واسع في أوساط منسوبي الشرطة، للدخول في اضراب عام في ٣٠ يونيو الجاري، وعبرت مجموعات كبيرة من الشرطيين عن سخطها البالغ ازاء تردي الاوضاع، ودفعوا بمذكرة لوزير الداخلية تحتوي على عدة مطالب، ولوحوا بالدخول في اضراب كامل ان لم يتم تحقيقها حتى التاسع والعشرون من الشهر الجاري، وتتلخص تلك المطالب في ضمان الحماية القانونية الكاملة لفرد الشرطة ومنحه الحصانة حتى يمكنه التعامل مع التفلتات الامنية في الشارع، وفك تجميد قبول الاستقالات بما يمنح الشرطي حرية ترك المهنة بعد تقديم استقالته، وتعديل المرتبات وزيادتها بما يتماشى مع الوضع الاقتصادي والغلاء المعيشي.. تلك كانت مطالب الشرطة التي رفعوها لقيادتهم ولوحوا بالدخول في إضراب نهاية الشهر حال لم تتم الاستجابة لها، وهي كما ترون مطالب حقيقية وموضوعية، فالشاهد في موضوعية المطلب الأول الخاص بمنح الشرطي درجة من الحصانة تمكنه من أداء عمله في مكافحة التفلتات، هو أن الشرطة أضحت بعد الهجوم المتكاثف والمتحامل عليها تتردد كثيراً في مجابهة المشاغبين والمتفلتين حتى لا تتهم بالافراط في استخدام القوة، حيث ظلت الشرطة تتعرض لهجوم ضاري عند تعاملها مع الشغب والانفلاتات ووقوع بعض الاصابات، ولهذا آثرت السلامة على طريقة (أبعد من الشر وغنيلو)، ومثل هذا الوضع يتطلب ايجاد معالجة متوازنة تمكن الشرطة من أداء وظيفتها في حفظ الأمن وأرواح المواطنين وممتلكاتهم على الوجه المطلوب، وحتى لا تتهم بالقصور والتهرب، أما المطلب الثاني فيستمد مشروعيته من كون أن من يصل مرحلة من عدم القناعة في العمل الذي يؤديه، يكون الأفضل لمصلحة العمل قبل المتقدم بالاستقالة مغادرته، فان بقي في العمل رغم أنفه وهو فاقد للرغبة في الاستمرار فيه، ففي هذا الارغام اضرار بالعمل أكثر من كونه عقاب لصاحب الاستقالة، أما المطلب الثالث والخاص بتعديل المرتبات وزيادتها بما يتماشي مع الوضع الاقتصادي والغلاء المعيشي، فهذا مطلب عادل لا يحاجج فيه الا مكابر ومعادي للشرطة، فمن حق الشرطة علينا أن نوفر لأفرادها قدر الامكان وبأقصى ما تسمح به امكاناتنا المالية ما يعصمهم من الوقوع في الزلل..
والسؤال الآن ماذا لو لم تستجب الحكومة لهذه المطالب ونفذ الشرطيون اضرابهم بعد حلول الموعد المضروب، فان ذلك اذا حدث سيكون بلا شك سقطة كبرى وستجر معها مترتبات كارثية على الأوضاع الأمنية وحالة الطمأنينة العامة، ولهذا فان على وزارة الداخلية ورئاسة الشرطة ووزارة المالية ان يسرعوا لدراسة هذه المطالب والشروع في حلحلتها بداية بالممكن منها حاليا، أما اذا اعتبرت القيادة العليا للشرطة الاضراب تمرد وعصيان بحسب الاعراف العسكرية وتعاملت معه على هذا الاساس، ففي تقديرنا ان مثل هذا التقدير سيكون خاطئا وقاصرا ولن يكون فيه الحل بل سيفاقم من حالة السخط والتذمر ويلقي بآثاره السالبة على العمل، ويعيد للذاكرة حكاية اضراب الشرطة الشهير خلال حقبة الاستعمار (1951(، حين دخل نحو 700 من رجال شرطة الخرطوم في إضراب عن العمل وتبعتهم شرطة السكة الحديد والسجون احتجاجا على فصل 70 شرطيا كانوا ينوون تكوين تنظيم نقابي، يهدف لرعاية مصالح أفراد الشرطة السودانيين وتحسين أوضاعهم المادية والمعيشية والسكنية المزرية، الا ان السلطات الاستعمارية اعتبرت ذلك عصيان وتمرد بينما اعتبره الوطنيون اضراب وحق مشروع..فهل نقول ما أشبه بارحة الحكم الاستعماري بليلة الحكم الوطني أم أن مطالب الشرطة ستعتبر مشروعة ومقبولة..
حيدر المكاشفي
صحيفة الجريدة