زهير السراج

الشهادة السودانية !


* تنطلق اليوم امتحانات الشهادة الثانوية (السودانية) للعام الدراسي 2020 / 2021 في ظروف بالغة السوء والتعقيد تتمثل في عدم انتظام الدراسة والضائقة المعيشية وسوء التغذية والمجاعة والغلاء الطاحن وانعدام المواصلات وانقطاع التيار الكهربائي طيلة فترة الدراسة والتحصيل والمذاكرة لم يتحسن الا امس فقط مع وعود من وزارة الطاقة بعدم انقطاع التيار خلال فترة الامتحانات!
* ولا ننسى عدم الاستقرار الإداري وعدم تعيين وزير للتربية والتعليم منذ استقالة الحكومة السابقة وحتى اليوم، وهو أمر يعكس النظرة الحكومية المتدنية للتربية والتعليم رغم انهما العامل الاول والحاسم في تقدم الامم، ولو حدث ذلك في أي دولة أخرى لكان مصير الحكومة السقوط المريع، ولكننا في السودان الذى يقرر فيه الجهلاء والمتطرفون نوع المناهج المدرسية والوزير الذى يدير التعليم في البلاد، وليس الخبراء والمختصين واهل العلم!
* لا شك ان كل تلك عوامل صعبة ستؤثر سلبا على اداء الطلاب ومستوى النتيجة ونسبة النجاح، التي تدنت في العام الماضي الى اقل من 56 % في المساق الأكاديمي، بينما كانت حوالى 70 % من قبل، الامر الذى جعل فلول النظام البائد ويسخرون من حكومة الثورة التي فشلت في المحافظة على مستوى التعليم ونسبة النجاح!
* ورغم اقتناعي أن نسبة النجاح انخفضت بالفعل في العام الماضي بسبب الظروف السيئة… إلخ، إلا أنها لم تكن (حقيقية) خلال حقبة النظام البائد الذى ظل منذ اغتصابه للسلطة يعبث بكل شيء في البلاد بما في ذلك العلم والتعليم، حتى الجامعات التي كان يحصل فيها طلاب النظام على أعلى الدرجات وينتقلون الى الصفوف المتقدمة بدون الجلوس للامتحان، ويتم اختيارهم للعمل في هيئة التدريس، وهم جهلاء لا يعلمون شيئا، بالإضافة الى التلاعب في منح الدرجات فوق الجامعية الذى يعرفه الجميع، حتى صارت جامعاتنا ونظامنا التعليم قبلة للفاشلين في الداخل والخارج ومصدرا للسخرية من السودان !
* كلنا نعرف أن النظام البائد كان يتلاعب بالنتيجة ويرفع نسبة النجاح في الشهادتين الثانوية الاساس، خادعا نفسه والآخرين بأن النظام التعليمي بخير، بينما هو في الدرك الاسفل بسبب العبث الذي كان يمارسه في التعليم وتلاعبه بالسلم التعليمي، بالإضافة الى التلاعب في المناهج التي صارت مجرد حشو فارغ، وصار الطالب محروما من التفكير والبحث، وتحول الى مجرد آلة للحفظ والتفريغ وهو ما حاولت إدارة المناهج التي جاءت بعد سقوط النظام معالجته وتغييره، لولا الكيد والحرب الشرسة التي تعرضت لها من الجهلاء والمنافقين والمتطرفين، وخضوع رئيس الحكومة لأهوائهم وإرادتهم !
* وعبث النظام البائد بالمدارس نفسها، فقسمها الى مدارس للمتفوقين أطلق عليها اسم المدارس النموذجية التي تقبل الطلاب بأعلى الرسوم، ومدارس الأغبياء أو المدارس الحكومية التي لا يهتم بها أحد، ويخجل الكل سواء المدرسين أو الطلاب من الانتماء إليها، فانحدر مستواها وهبط الى الحضيض، بينما وجدت المدارس النموذجية والخاصة كل الاهتمام وتحول التعليم الى سلعة تباع وتشترى !
�* فضلا عن ذلك إهمال المدرس الذى لم يكن يجد أي نوع من التأهيل او التدريب، وأصبح تعريف المدرس المؤهل بأنه الذى ينتمي للنظام ومؤسساته الفاسدة ويشارك في مواسم الهجرة الزائفة الى الله ومسيرات التأييد، وصار الطالب الجيد هو الذى ينتمى لكتائب النظام ويعتدى على زملائه بالسيخ والسواطير .. الى آخر ذلك العبث الذي مارسه النظام البائد تحت مسمى (إعادة صياغة الإنسان السوداني)، فأهان الانسان السوداني وألقى به في الحضيض!
* ومع الغياب الكامل للتعليم الصحيح والانشطة المكملة للعملية التعليمية من الألعاب والفنون والمسابقات والمشاركة المجتمعية ..إلخ، انحدر مستوى التعليم وتدنت نسبة النجاح، ولكنه ظل يعبث بها ويرفعها لتغطية فشله وعجزه وخواء فكره وتفسخه!
* ينتظرنا مجهود شاق وسنوات طويلة من العمل الجاد لإصلاح التعليم من الألف الى الياء ورفع مستوى الشهادة السودانية، تحت قيادة الخبراء والمختصين والمستنيرين، بعيداً عن الانتهازيين والمتنطعين والمتخلفين وإلا سيظل التعليم يهبط الى الحضيض، ونظل نعانى من الجهل والتخلف والفقر والظروف المأساوية التي نعيشها!

***********

زهير السراج
صحيفة الجريدة