دارفور وسيرة الشياطين
قال لي أحد أبناء دارفور، معلقا على ما كتبته حول مبادرة شباب نيالا الحضارية الرافضة للعنصرية والقبلية، وما جرته هذه الأدواء على الاقليم الكبير من محن وفتن وموت ودمار، قال لي (والله يا حيدر دارفورنا دي يكون ساكنها شيطان كبير)، فضحكت لتعليقه ليس استهانة به، وانما لأنه ذكرني بمقولة شبيهة منسوبة للخليفة عبد الله التعايشي، قيل أنه أطلقها في ظروف مشابهة للتي تعايشها البلاد الآن، حين تكاثرت عليه تمردات القبائل واشتعلت جذوة الفتن، بدلا من أن تشتعل الحقول قمحا ووعدا وتمني، لا تكاد تنطفئ فتنة إلا لتشتعل أخرى، ولا تكاد تخبو حرب إلا لتندلع ثانية، فأطلق قولته المشار إليها ومؤداها (البلد دي قطع شك مسكونة) أو كما قال خليفة المهدي، والمقولة كذلك تذكر بملاسنة كان محورها الشيطان جرت بين اثنين من قيادات المؤتمر الشعبي وقيادي بالمؤتمر الوطني المحلول، قبل أن يمتد بين الحزبين حبل الود والوصال على النحو المشهود بعد حوار الوثبة، كان ذلك حين استل قيادي الوطني لسانه وأطلق على إخوانه السابقين كلمات رصاصية، مؤداها أن الشعبي مستعد للتعاون مع الشيطان من أجل إسقاط الحكومة، وكان رد الفعل الطبيعي من الآخرين أن يخرجوا ألسنتهم أيضا ويطلقوا منها الصواريخ المضادة، حيث قال أحدهم ما معناه إن المؤتمر الوطني قد احتكر كل الشياطين واستحوذ عليها تماما، ولم يترك لأحد شيطانا ليتحالف أو يتعاون معه، ومضى الآخر على ذات النسق، وقال مخاطباً كادر المؤتمر الوطني (إنت أمسك لينا الشيطان ونحنا مستعدين للتعامل معه، وزاد نحنا لاقين شيطان)، ومع سيرة الشياطين والأبالسة تخطر على البال نظرية الاستعانة بالجن لخدمة نظام الحكم، وهي النظرية التي كان قد دفع بها جادا لأحد مؤتمرات الإنقاذ الاقتصادية أخ الكاتب الشهير إسحق فضل الله… وعطفاً على مقولة صاحبنا من أبناء دارفور المشار اليها أعلاه والذي ربما عنى فيها شياطين الجن أو ربما شياطين الإنس أو الاثنين معا، عنت لي الطرفة التي تقول إن المردة والشياطين والأبالسة والجن قد شوهدت في مطار الخرطوم وهي تتزاحم بالمناكب للمغادرة خارج البلاد عن بكرة أبيها خلال فترة حكم الانقاذ المباد، وعندما سئلوا عن سبب مغادرتهم البلاد بلا عودة، تباروا في ذكر جملة من الأسباب والشواهد والمشاهد والمواقف والممارسات، مما لا يمكن حصره سوى في عبارة جامعة، ملخصها أن البلد قد امتلأت بغيرهم من الشياطين والأبالسة والجن ولم يعد لهم ما يفعلونه فيها بعد هذا الحشد، فآثروا السلامة والهجرة إلى بلاد أخرى في حاجة إلى خدماتهم، غير أن أطرف ما قيل كان لأحد الشياطين الشباب الذي قال تعبيرا عن ضيق الحال أن أحد الفقراء أعد لنفسه كسرة جافة معطونة في الماء، وعندما همّ بالأكل سمى الله فقلت له (ياخي أكل ساكت كسرتك المعتتة دي هو الجايي ياكل معاك منو)… وجنب اللهم البلاد كافة من الشياطين قاطبة سواء كانوا من شياطين الجن أو شياطين الأنس.�
***********
حيدر المكاشفي
صحيفة الجريدة