أرى شجراً يسير
(1 )
الديمقراطية الليبرالية لها ركيزتان اقتصادية وسياسية؛ الاقتصادية تتمثل في الاقتصاد الحر البعيد عن تدخل الدولة أما السياسية فتتمثل في حرية التعبير وحرية التنظيم . في الاقتصاد الحر (دعه يعمل) تلعب البنوك دورا مركزيا وفي الحرية السياسية (دعه يمر) تلعب الاحزاب دورا مركزيا فنحن في السودان يا كافي البلا ويا حائد المحن ما عندنا بنوك ذي الناس وما عندنا احزاب ذي الناس لذلك كف المواطنون عن ايداع اموالهم في البنوك فأصبحت 90% من الكتلة النقدية خارج المصارف واحجم المواطنون عن الانضمام للاحزاب فاصبحت الكتلة الحيوية النشطة خارج الاحزاب بنسبة 90% وبرضو عاوزين ديمقراطية ليبرالية !!!.
(2 )
عندما انتصرت ثورة ديسمبر الشعبية المجيدة وتمت ازاحة النظام السابق اتفق الجميع على أن تكون حكومة الفترة الانتقالية حكومة كفاءات وطنية تقف الاحزاب بعيدا عنها وتقف هي على مسافة واحدة من كل الاحزاب وكان اكبر المتحمسين لهذا السيد الإمام الراحل الصادق المهدي ولعل المفارقة هنا أن السيد الصادق كان صاحب اكبر الاحزاب شعبية واكثرها انتظاما واستقرارا وهو حزب الأمة القومي فالإمام كان يعي جيدا أن الحكومة الانتقالية هي التي يجب أن تفضي الى الحكومة الحزبية وذلك بتنظيم انتخابات حرة ونزيهة فاذا ما اصبحت الحكومة الانتقالية نفسها حزبية ستكون ضلت عن غايتها الاصلية فتسعى الي ايجاد غايات مبهمة فيتغبر الطقس السياسي وتدخل البلاد في حيص بيص كما هو حادث الآن.
(3 )
عندما دعا البشير الاحزاب لخوض الانتخابات قيل له إن كنت جادا في دعواك شكل حكومة من شخصيات قومية مستقلة وأعهد لها بمهمة الانتخابات فمن غير المعقول أن يكون حزبك هو الحاكم وهو المشرف على الانتخابات في نفس الوقت ؟ من المؤكد انها ستكون انتخابات مخجوجة ومضروبة وفي تقديري أن هذه حجة مقنعة لهذا كان الرأي أن تكون الحكومة الانتقالية غير حزبية فكان اختيار حمدوك رئيسا لها اختيارا موفقا لانه اثبت استقلاليته عن الاحزاب ولكن المشكلة أن مركزية الحرية والتغيير التي عهد اليها تكوين الحكومة مارست الخيانة و(لزت) عضويتها ليس في الحكومة فحسب بل حتى في الخدمة المدنية ولولا أن المجلس العسكري قفل عليها السكة لفعلت نفس الشيء في الخدمة العسكرية هذا باستثناء حزب الأمة والمؤتمر السوداني.
(3 )
لما تعثر اداء الحكومة نتيجة لحزبيتها غير المعلنة فشعبت الاهداف مع عدم القدرة تم جاءت اتفاقية سلام جوبا ففرضت واقعا جديدا تم حل الحكومة وهنا خلع حزبا الامة والمؤتمر السوداني ملابسهما وخاضا مع الحركات العائدة فجاءت حكومة حمدوك الثانية حزبية صارخة اللهم الا حمدوك لذلك من الطبيعي أن تكون لها معارضة حزبية شرسة (قوى الاجماع الوطني بقيادة الحزب الشيوعي وأحد فروع البعث) الى جانب اعضاء ومؤيدي النظام السابق لتصبح الفترة الانتقالية فترة عينة ليس لها سابقة وهذه هي الوعثة السياسية التي حلت بحكومة حمدوك الثانية وقد اصبح الكلام عن حكومة كفاءات وطنية مثل عملة اهل الكهف فأحزاب حكمت وذاقت حلاوة الحكم (ملح) اي مجانا دون انتخابات فكيف تعطي فرصة للخروج منه بانتخابات ؟ واحزاب اخرى خارج الحكومة وهي ترى رصيفاتها تحكم مجانا فكيف تقبل بهذا ؟ وحكمة الله كل الاحزاب الحاكمة وكل الاحزاب المعارضة حالها يغني عن سؤالها فكلها ضعيفة وهنا يظهر لنا الفراغ السياسي الماثل فالامر المؤكد انه لن يطول لأن الطبيعة لا تعرف الفراغ فيا ترى من او ما هو القادم لملء هذا الفراغ ؟ والله يكضب الشينة
صحيفة السوداني