تحقيقات وتقارير

مشهدان متناقضان .. السودان أمام اختبار “الحريات” الصعب

عندما خرج السودانيون في ثورتهم الأخيرة التي اطاحت بنظام الإخوان إبريل 2011، تصدر شعار “حرية” هتافات ملايين الثوار السلميين، لكن اليوم وبعد مرور أكثر من عامين على نجاح الثورة لا يزال هنالك جدل كبير حول مستوى الحريات في البلاد.

ويشعر البعض بالإحباط حيال مساحة حرية التعبير والصحافة والطريقة التي تتعامل بها الأجهزة الامنية مع المسيرات والمواكب، لكن في الجانب الآخر نجحت الحكومة الانتقالية في تحسين سجل السودان في مجال الحريات الدينية وصادقت على اتفاقيات عديدة منصفة للمرأة.

في الواقع يعيش السودان خلال الفترة الانتقالية الحالية التي جاءت نتاج حراك ثوري “مكلف” مشهدان متناقضان فيما يتعلق بالحريات، ففي حين تسود حالة انعتاق من خوف وكبت واستبداد استمر 30 عاما، تشير دلائل قوية على وجود ممارسات مقلقة.

ويختلف المراقبون في تفسير لأسباب ودوافع تلك الممارسات، حيث يعتبر البعض أن القصد منها هو تكميم وكبح الأصوات المطالبة باستكمال أهداف الثورة، فيما يرى آخرون أنها جزء من الثورة المضادة، مشيرين إلى أن عناصر النظام السابق الموجودون في الأجهزة الأمنية يحاولون إجهاض الثورة من خلال تلك الممارسات، لكن فريق ثالث يقول إن بعض حالات القمع والانتهاكات التي تظهر من حين لآخر تعكس صعوبة تغيير العقيدة الاستبدادية التي تربت عليها الأجهزة الأمنية طوال فترة حكم البشير، إضافة إلى حالة السيولة الامنية التي تعيشها البلاد حاليا في ظل وجود أكثر من 6 جيوش، إلى جانب القوات المسلحة والشرطة وجهاز المخابرات العامة.

ويبدو التناقض ظاهرا حتى في تحليل أوضاع الحريات في البلاد، ففي حين يعتقد الكاتب الصحفي حيدر المكاشفي أن الحريات العامة “متاحة”، تؤكد المحامية والناشطة الحقوقية رنا عبد القفار أن هنالك تراجعا كبيرا في مستوى الحريات خلال الفترة الأخيرة.

تباين واضح

لم تعد الصحف اليومية تخضع لمقص الرقيب “الحاد” كما كان يحدث أيام البشير، وتطرح الكثير من الصحف عناوين واضحة وصريحة في اتجاهي انتقاد السياسات الحكومية أو دعمها، لكن في الجانب الآخر يتعرض الكثير من الصحفيين والمغردين للتهديد تحت طائلة قانون “المعلوماتية” المثير للجدل والذي استخدمه مسؤولين كبار بالسلطة الانتقالية.

وخلال الأسبوع الماضي اتهم ناشرو صحف إخبارية إلكترونية جهات نافذة بحجب وتعطيل مواقع صحفهم لساعات طويلة، معتبرين ذلك بمثابة انتهاك لحرية التعبير والنشر، ومحاولة لتغبيش الحقيقة، إلا أن السلطات المختصة نفت أي صلة لها بذلك.

وبررت نيابة المعلوماتية قرار الحجب بالحفاظ على “السلامة العامة والطمأنينة وضبط الرأي العام”.

ومن جانبها، انتقدت شبكة الصحفيين السودانيين، تلك المبررات ورأت في حجب المواقع قمع وتقييد للحريات، لكن الكاتب الصحفي حيدر المكاشفي يرى أن الحريات نفسها لا تعني الفوضى، ويقول لموقع سكاي نيوز عربية “إيقاف بعض مواقع النظام البائد أمر مبرر لأنها تعمل في الظلام”.

إشادة وانتقاد

في أعقاب مواكب 30 يونيو التي نظمت الأربعاء في العاصمة الخرطوم وبعض المدن السودانية الأخرى، أشاد رئيس الوزراء عبد الله حمدوك بأداء الشرطة وطريقة تعاملها مع تلك المسيرات. وعلى الرغم من التراجع الملحوظ في استخدام القوة من قبل رجال الشرطة، إلا أن الكثير من الانتهاكات رصدت خلال ذلك اليوم.

وقال تجمع المهنيين السودانيين الذي قاد ثورة ديسمبر التي أطاحت نظام البشير، إن الشرطة والأجهزة الأمنية واجهت مواكب الأربعاء بـ “قمع مفرط” واستخدمت الرصاص المطاطي والغاز المسيل للدموع والملاحقة والاعتقال التعسفي في مواجهة الثوار السلميين، بحسب تعبيره.

وفي هذا السياق، تشير المحامية رنا عبد الغفار إلى وجود تداخل في الاختصاصات وتقول لموقع سكاي نيوز عربية “تفتح الشرطة بلاغات ضد الثوار تحت المواد 69 و77 المتعلقة بالشغب والإزعاج العام في حين أن ذلك هو من اختصاص النيابة في الأصل”.

وتؤكد عبد الغفار رصد العديد من الانتهاكات ضد الثوار خلال الفترة الأخيرة، مما يتطلب ضرورة إحداث إصلاحات تتماشى مع شعارات الثورة.

حاجة للحسم

اثبتت العديد من الوقائع والأحداث التي جرت خلال الفترة الأخيرة، سعي أنصار النظام السابق لإثارة الفوضى وخلخلة الأمن في البلاد. وكشفت اللجنة الوطنية المكلفة بتفكيك نظام البشير – والتي تحظى بتأييد شعبي واسع – الأسبوع الماضي عن مخطط تخريبي واسع كانت تعتزم تنفيذه مجموعة من أنصار نظام البشير، مؤكدة احباط المخطط والقبض على أكثر من 70 من المتهمين بالمشاركة فيه.

وفي ظل تزايد المخاوف من الضرر الذي يمكن أن تلحقه تلك المخططات بأمن واستقرار البلاد وبمستقبل الثورة، ترتفع الأصوات التي تدعو إلى ضرورة حسم الفوضى وعدم ترك المجال أمام محاولات إعادة النظام السابق.

ويتفق الكاتب الصحفي حيدر المكاشفي مع تلك الرؤية ويقول لموقع سكاي نيوز عربية “الحريات العامة متاحة طالما أن جميع الاطراف تريد العمل تحت الأضواء، غير أن الحفاظ على الحريات العامة يكون بالحفاظ غلى مكتسبات الثورة”.

لكن، ووفقا لوليد علي المتحدث باسم تجمع المهنيين فإن التلكؤ في تنفيذ متطلبات الثورة هو الذي يفتح المجال أمام تسلل مخططات عناصر النظام السابق. ويوضخ “إذا حدث تفكيك حقيقي لمصادر تمويل عناصر النظام السابق وجرت محاكمات حقيقية وجادة ونفذت الأحكام الصادرة في حق القتلة لما رأينا الفوضى الحالية.

ويؤكد على أن الطريق الوحيد لحسم الفوضى هو إنفاذ شعار العدالة بالكامل على المستوى القانوني والقضائي وتفكيك التمكين التجاري وتحقيق العدالة الاجتماعية.

ضوء في آخر النفق

رغم حالة عدم الرضا حيال بعض الجوانب المتعلقة بالحريات، إلا أن المؤكد أن هنالك العديد من الجوانب المضيئة، فقد ألقي قانون النظام العام الذي لطالما استخدمه النظام السابق لقمع واضطهاد النساء ومطاردة بائعات الأطعمة واصحاب المهن البسيطة.

ومن التطورات المهمة في مجال الحريات أيضا شطب اسم السودان في ديسمبر 2020 من القائمة السوداء الخاصة بالحريات الدينية والتي أدرج فيها في العام 1999 بسبب سياسات التمييز التي انتهجها نظام البشير.

وقال وزير الشئون الدينية السوداني نصر الدين مفرح إن القرار جاء بناء على التقدم الذي أحرزته بلاده في مجال الحريات.

وفي أبريل 2021 صادق مجلس الوزراء السوداني على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة “سيداو” مع التحفظ على 3 مواد منها، كما أجاز بروتوكول حقوق المرأة في أفريقيا الملحق بالميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب.

كمال عبد الرحمن – الخرطوم
سكاي نيوز عربية