أمين حسن عمر: إصلاح وليس مصالحة

يتحدث مشفقون وحادبون عن مصالحة سياسية وبخاصة بين الإسلاميين والنافذين في حكومة الإنتقال ولا أشكك في نبل الدوافع للدعوة ولا أقلل من شأن فائدة تحسين العلائق بين الفاعلين في المضمار السياسي. فالمصالحة بينهم وقبول بعضهم لبعض على إختلاف بينهم هو مقتضى النسق الديموقراطي، فالديموقراطية إنما تنهض على التنافس لا على التنافي، إن حضرت أنا ذهبت أنت، وأن جئت أنت ذهبت إن الديموقراطية الحقة تقتضي التنوع و التعاون في آن واحد. وهو درس يجب أن يتعلمه الماركسيون خاصة من النظرية التي يدعون أنهم يعتنقونها فهي تشترط وجود الشيء ونقيضه وتفاعلهما ليمكن للتقدم أن يتحقق ،لكن النظرية غالبا ما تتحول الى بقرة مقدسة لا تحلب ولا يقربها أحد. وعودا إلى حديث المصالحة أقول أن ما يحتاجه الوطن أكثر هو الإصلاح وإنما تأتي المصالحة بندا فرعيا في روزنامة الإصلاح. والدولة ونظامها السياسي على وجه التحديد هو الأولى بالعناية فالنظام السياسي معطوب منذ زمان معطوب في إطاره الناظم العام ومعطوب في تنظيماته ومعطوب في رؤاه الفكرية ومعطوب في قياداته التاريخية التي لا تتجدد ولا تتبدل ولا تتطور. فالمطلوب الأكبر هو مشاورة وطنية كبري لإصلاح النظام السياسي ،إصلاح إطاره الناظم دستورا وقانونا وإصلاح نظام عدالته وأطره الدستورية والقانونية وإصلاح نظم تنافسه الإنتخابية داخل الأحزاب والتنظيمات وفيما بينها، وإصلاح نظم التداول على السلطةو القيادة داخل الأحزاب وعلى الصعيد الوطني لئلا يستبد فرد أو تنظيم أو يتأبد على السلطة فرد أو تنظيم. أما مصالحة الإسلاميين فهم ليسوا في خصام فردي مع أحد أو مع تنظيم أو تحالف تنظيمي ولا يحتاج أحد لمصالحتهم أو الإمعان في مخاصمتهم. إن المطلوب هو الإصلاح. وأول ذلك هو أن تعود الفترة الانتقالية إلى صفتها فترة إنتقالية تهييء لوضع القرار بأعجل ما يتيسر في يد الشعب عبر صندوق الإنتخابات. ثانيا لا يريد الإسلاميون عفوا ولا مصالحة بل يريدون العدالة التي أبعدت عنها حكومة الإنتقال النجعة وخربت مؤسساتها بالعزل والترهيب. وهم لايريدون مصالحة بشروط أو غير شروط ولكن يريدون أن ترفع الحكومة يدها عن كلما هو ليس شأنا انتقاليا من خيارات الناس في دينهم وأعرافهم وطرائقهم في الحياة، فخيارات الحركات الحاملة للسلاح ليست أولى من خيارات السواد الأعظم من الناس بالإعتبار فتفرض على غالب الناس لإسترضائها ، فلا تفريط في ثوابت الدين أو مكارم العرف بأسم السلام أو أيما حجة أو تكأة أخرى. و الإسلاميون يريدون مصالحة وتعاطف من الحكومة مع شعبها فتعتني بمعاشهم وتجعل له الأولوية على التجاوب مع مطلوبات الخارج الإقتصادية والثقافية. فإن أصلحت الحكومة شأنها وقادت المشاورة الصادقة لأصلاح النظام السياسي بالبلاد فقد أفلحت وستجد مساندة من الشعب كله و الإسلاميون بعضه ولا شك، وإن هي لم تفعل فقد سارت في الطريق المطروق، ومن جرب المجرب فما فلح.
أمين حسن عمر
٢٣يوليو٢٠٢١

Exit mobile version