القاعدة الروسية.. هل يقبل السودان بإقامتها أم يناور لمصلحة أخرى؟
وزيرة خارجية السودان قالت من موسكو إن بلادها تدرس اتفاقية إنشاء قاعدة روسية على سواحلها وربطت ذلك بموافقة البرلمان الذي لم يتشكل منذ أشهر
– السودان بحاجة إلى صيانة أسلحته الروسية ولفت انتباه الأمريكيين إلى أنهم لم يقدموا المساعدة المنتظرة لحكومته اقتصاديا وسياسيا
عادة قضية القاعدة الروسية بالسودان لتثار مجددا، بعد الزيارة التي قادت وزير الخارجية السودانية مريم الصادق المهدي إلى موسكو، في 11 يوليو/تموز الجاري، ودامت ثلاثة أيام.
حيث أعلنت الوزير السودانية أن بلادها تدرس اتفاقية إنشاء المركز اللوجستي الروسي على ساحل البحر الأحمر، وقالت إن موضوع المركز “جزء من اتفاق وقعته الحكومة السابقة، ولكن لم تتم المصادقة عليه بعد من قبل المجلس التشريعي (البرلمان)”.
وهذه الحجة لجأت إليها الخرطوم للتملص من الضغوط الروسية بشأن البدء في تنفيذ الاتفاق، في الوقت الذي أثار إنشاء قاعدة روسية على البحر الأحمر غضب دول أخرى على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية، بحسب مراقبين.
فتشكيل المجلس التشريعي السوداني لا زال في “رحم الغيب”، وتأخر تشكيله رغم مرور أشهر على توقيع وثيقة دستورية لحكم البلاد بين المجلس العسكري المنحل، وقوى إعلان الحرية والتغيير، في 17 أغسطس/آب 2019، عقب الإطاحة بالرئيس عمر البشير، في 11 أبريل/نيسان من نفس العام.
تصريحات المهدي، جاءت بعد شهرين من الضجة التي أثارتها تصريحات مسؤولين سودانيين، لم يُكشف عن هويتهم، أعلنت تجميد الاتفاقية العسكرية مع روسيا بما فيها القاعدة العسكرية، بينما نفت موسكو أن تكون الاتفاقية جُمدت.
وفي مايو/ آيار الماضي، نقلت وسائل إعلام إقليمية ودولية أن الخرطوم جمدت اتفاقياتها مع روسيا بما فيها إنشاء قاعدة عسكرية شمالي مدينة بورتسودان (شرق).
** بين القبول والرفض
في 9 يونيو /حزيران الماضي، نفى رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان، عبد الفتاح البرهان، إقدام الخرطوم على إلغاء فكرة إنشاء قاعدة بحرية روسية في البحر الأحمر.
وقال البرهان، حينها، إنه يجري التفاهم على كيفية صياغة هذا الاتفاق (حول القاعدة الروسية)، في كيفية اعتماده بواسطة الجهات المسؤولة، كالمجلس التشريعي والسلطات الأخرى المشاركة في الفترة الانتقالية.
وفي 2 من ذات الشهر، أعلن رئيس أركان الجيش السوداني، محمد عثمان الحسين، أن بلاده بصدد مراجعة الاتفاقية العسكرية مع روسيا بما فيها القاعدة العسكرية على البحر الأحمر.
واتجهت الخرطوم لروسيا خلال الفترة التي تم وضعها على قائمة الدول الراعية للإرهاب (1993-2019)، لتوطيد العلاقات معهما في مجالات بينها النفط والتعاون العسكري.
وتزامن تطور العلاقات مع روسيا، خوض السودان حينها حربا ضد ما كان يسمى “الجيش الشعبي لتحرير السودان” بقيادة جون قرنق، وتوقف القتال بتوقيع اتفاق سلام في 2005 انتهى بانفصال جنوب السودان في 2011.
كما تخوض القوات الحكومية قتالا في إقليم دارفور (غرب)، منذ 2003، ضد حركات مسلحة.
** أصل القصة
تعود قصة القاعدة العسكرية إلى زيارة الرئيس السوداني المعزول عمر البشير لموسكو في نوفمبر/ تشرين ثاني 2017، وتوقيعه اتفاقيات تعاون عسكري مع روسيا تتعلق بالتدريب وتبادل الخبرات ودخول السفن الحربية إلى موانئ البلدين.
وحينها، أعلن البشير، أنه ناقش مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ووزير دفاعه سيرغي شويغو، إقامة قاعدة عسكرية روسية على ساحل البحر الأحمر، وطلب تزويد بلاده بأسلحة دفاعية.
ولدى السودان ساحل مطل على البحر الأحمر يمتد على مسافة تتجاوز 700 كلم، وأكبر ميناء لديه بورتسودان، الذي يعتبر الميناء الرئيسي للبلاد، بل يمثل منفذا بحريا استراتيجيا لعدة دول مغلقة ومجاورة مثل تشاد وإثيوبيا وجنوب السودان.
وصادق بوتين في 16 نوفمبر 2020، على إنشاء قاعدة بحرية روسية في السودان قادرة على استيعاب سفن تعمل بالطاقة النووية.
ونشرت الجريدة الرسمية الروسية، في 9 ديسمبر/ كانون الأول 2020، نص الاتفاقية حول إقامة قاعدة تموين وصيانة للبحرية الروسية على البحر الأحمر، بهدف “تعزيز السلام والأمن في المنطقة”، ولا تستهدف أي طرف آخر، بحسب مقدمة الاتفاقية.
وستضم القاعدة نحو 300 فرد من عسكريين ومدنيين، ويمكن استخدامها في عمليات الإصلاح والتموين وإعادة الإمداد لأفراد أطقم السفن الروسية، ويحق للجانب السوداني “استخدام منطقة الإرساء، بالاتفاق مع الجهة المختصة من الجانب الروسي”.
وتحدد الاتفاقية إمكانية بقاء 4 سفن حربية كحد أقصى في القاعدة البحرية، ويحق لروسيا أن تنقل عبر مرافئ ومطارات السودان “أسلحة وذخائر ومعدات” ضرورية لتشغيل تلك القاعدة في ميناء بورتسودان الاستراتيجي.
ومدة الاتفاقية 25 عاما قابلة للتمديد 10 سنوات إضافية، بموافقة الطرفين.
** بين المصلحة مع روسيا والغضب الأمريكي
وثمة أحاديث عن صراع أمريكي روسي على إقامة قاعدة بحرية عسكرية في السودان، في ظل رغبة البلدين في تعزيز نفوذهما بالقارة الإفريقية، التي تمثل مصدرا كبيرا للثروات الطبيعية وسوقا ضخما للسلاح.
كما يقع السودان في منطقة تتسم بالاضطرابات بين القرن الإفريقي والخليج العربي وشمال إفريقيا، ما يمثل أهمية لمساعي كل من واشنطن وموسكو للحفاظ على مصالحهما في تلك المناطق الحيوية.
ويقول أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية حاج حمد محمد خير، إن الأسلحة الموجودة في السودان روسية وصيانتها وقطع غيارها روسية أيضا لذلك موسكو مهمة بالنسبة للحكومة وجيشها، ولا تريد أن تفقدها.
ويضيف خير، في حديثه للأناضول: “لا تريد الحكومة الانتقالية في ذات الوقت أن يُغضبوا الأمريكيين، الذين رغم التطورات الأخيرة في العلاقات بين البلدين لم يقدموا شيئا يذكر حتى الآن”.
ويوضح أن “الروس يرون أنهم قدموا خدمات للسودان طوال السنوات الماضية، ومن حقهم أن ينالوا قاعدة لوجستية لصيانة قطعهم البحرية المتواجدة في البحر الأحمر”.
ويرى خير، أن “المهدي، ناورت في موسكو، فهي تريد أن توضح لشركائها في السلطة من العسكريين أن المدنيين يطالبون بتحقيق مصالح الجيش في صيانة وإصلاح آلياتهم وأسلحتهم الروسية الصنع”.
ويضيف: “وكذلك حاولت المهدي من خلال حديثها إلى لفت نظر الأمريكيين الذين لم يقدموا بشكل كبير مساعدات للحكومة الانتقالية لتجاوز أزماتها الاقتصادية والسياسية”.
وبدأت بالسودان في 21 أغسطس 2019 مرحلة انتقالية تستمر 53 شهرا تنتهي بإجراء انتخابات، ويتقاسم خلال هذه الفترة السلطة كل من الجيش وتحالف “إعلان قوى الحرية والتغيير”، قائد الحراك الشعبي.
الخرطوم/ عادل عبد الرحيم/ الأناضول