رأي ومقالاتمدارات

البروفيسور هانكي في السودان ..ملاحظات منهجية


ظل البروفيسور هانكي يقدم تقاريراً راتبة عن التضخم في السودان وحول العالم. البروفيسور يحسب معدل التضخم باستخدام منهجيته المختلفة التي يسميها معدل التضخم الضمني.

بدون الخوض في تفاصيل دقيقة، تعتمد منهجية الأستاذ هانكي بالكامل على التغيير في سعر الصرف لتقدير معدل التضخم الضمني. يقوم الأستاذ بتعديل التغيير في سعر الصرف ليأخذ في الحسبان معدل التضخم في البلدان التي يتاجر مع السودان أو بلد بلد معين.
الافتراض الضمني للأستاذ هانكي هو أن سعر الصرف يتكيف مع تغير سعر السلع ما بين الدول. على سبيل المثال، إذا ارتفع سعر اللحوم في السودان ، تنخفض قيمة سعر صرف الجنيه بحيث يظل سعر اللحوم بالدولار كما هو لو كان معدل التضخم في البلدان التي يتاجر معها السودان صفريا أما اذا ذلك التضخم في الخارج موجبا, فان سعر الصرف يتغير لمحو الفرق بين التضخم السوداني والتضخم الخارجي.

الافتراض الذي يقدمه البروفيسور هانكي بأن سعر الصرف يتبدل لاستعادة تعادل القوة الشرائية مقبول في الأدبيات الاقتصادية كنقطة توازن طويلة الأجل في الاقتصادات المندمجة في السوق العالمي، ولكن تغير سعر الصرف لا يحدث بالضرورة في المدي القصير، أي أن التعديل لاستعادة تعادل القوة الشرائية يستغرق وقتًا.

لكن الأستاذ هانكي يدعي أنه في البلدان التي تعاني من تضخم مفرط (على سبيل المثال تضخمًا شهريًا يزيد عن 25 في المائة أو نحو ذلك) ، يتحرك سعر الصرف فورًا على المدى القصير لاستعادة تعادل القوة الشرائية ، وبالتالي فإن التغيير في سعر الصرف يعد أساسًا أفضل لتقدير التضخم .

الطريقة التقليدية المستخدمة لحساب التضخم في جميع أنحاء العالم ، بما في ذلك في السودان، هي ان الجهاز الإحصائي يحدد سلة من السلع (مجموعة من السلع التمثيلية) ثم يقيس أسعار السلع في هذه السلة كل شهر ويحسب معدل التضخم بشكل مباشر.

بغض النظر عن ميزة منهجية الأستاذ هانكي بشكل عام ، إلا إنها لا تقدم وصفًا دقيقًا للتضخم السوداني خلال الأشهر القليلة الماضية لسبب بسيط: فقد ساهم إلغاء الدعم وتعويم سعر الصرف الجمركي كثيرًا في تغذية التضخم في الشهور الماضية. ولا يمكن انعكاس هذه المساهمة علي سعر الصرف الذي يعتمده الأستاذ كأساس للتقدير.ثم ان “تعويم” سعر الصرف يمثل في حد ذاته إزالة الدعم ويمكن تفسيره كرفع للدعم عن الواردات.

اضف الي ذلك هناك جوانب اخري تعقد من علاقة سعر الصرف بالتضخم في السودان وتطرح تساؤلات حول منهجية الأستاذ هانكي مثل عدم اكتمال الاسواق وكوابح العرض وسوء البنية التحتية – بالذات في قطاع المواصلات – وتشظي الاسواق الداخلية والاندماج المشوه غير الكامل في السوق العالمي.

لكن عدم كفاية تقديرات الأستاذ هانكي في الشهور الماضية لا يطعن في منهجيته في كل البلدان وفي الأوقات العادية التي لا تشهد مثل هذه الإجراءات من رفع الدعم وتعديلات نظم أسعار الصرف والجبهات الضريبية – فتعويم سعر الصرف الجمركي ليس سوى ضريبة على الواردات.

صواب منهجية الأستاذ هانكي من عدمه في بلدان التضخم المفرط مسار جدل في أوساط أهل المهنة ولكن في بلد مثل السودان لو قلنا ان معدل التضخم 400 أو 500 في المائة يكون القول تفاصيل لا تغير كثيرا في طبيعة التحدي السياسي والاقتصادي ففي كل الحالات يظل واجب الحكومة العمل بحسم علي الخروج من الجب بغض النظر عن دقة قياس عمق حفرته.

بمعني اخر, غض النظر عن دقته, توفر قياسات الأستاذ هانكي مؤشرا هاما يقرأ مع (وليس بدلا عن) البيانات المحترمة للجهاز المركزي للإحصاء السوداني لتشخيص المشكلة.

ومن المهم ان نشيد بمهنية الجهاز المركزي للإحصاء السوداني الذي يبدو انه حافظ علي استقلاله رغم إشارات سابقة من قادة السياسة الاقتصادية لمحوا فيها الي توقهم الي تغيير تفاصيل عمله وصولا الي قياسات وتقديرات أقل لمعدل التضخم لتخفيف الحرج علي الحكومة.

معتصم أقرع