الطاهر ساتي يكتب: شريف خيري ..!!
إليكم ………………… الطاهر ساتي
:: رحمة الله عليه، أستاذنا حسن مختار، كان يتغلب على متاعب الحياة وأحزانها بالسخرية.. وفي ذات أولمبياد، شاركت بلادنا بسبّاح أحرز المركز الأخير، ويُقال أنه وصل إلى شاطئ الحوض بعد أن تقلد الثلاثة الأوائل ميدالياتهم وغادروا المكان.. قابل عمنا حسن مختار نبأ هزيمة السبَّاح قائلاً : ( الحمد لله إنه ما غرق).. واليوم، ليس فقط في السباحة، بل في كل الألعاب، فمنذ اعتزال أبوبكر كاكي وإسماعيل أحمد ونوال الجاك وغيرهم، لا يعود من يمثلون بلادنا في الأولمبياد إلا بخفي حُنين!!
:: ولذلك، يوم الجمعة الماضية، عندما وجدت في جدول تكاليف التحرير تغطية استقبال لاعب الجودو محمد عبد الرسول، العائد من منافسات أولمبياد طوكيو، تساءلت عن أسباب الاستقبال والاحتفال، وخاصة إنه خرج من مولد الأولمبياد ( بلا حمص)، أجابوا بأن عبد الرسول رفض منازلة منافسه اللاعب الإسرائيلي طوهر بوطبول، وانسحب، وأصبح بطلاً يستحق الاستقبال ..وتمت التغطية، بحيث استقبلوه بحشد في مطار الخرطوم، وحملوه على الأعناق وهم يهتفون.
:: وتذكرت تفاصيل فيلم (السفارة في العمارة)، للفنان عادل إمام.. قضية بطل الفيلم – شريف خيري – بسيطة للغاية، حيث يعود من الإمارات ويُفاجأ بالسفارة الإسرائيلية قد استأجرت شقة بجوار شقته، فيستاء ويبحث عن حل يبعده عن السفارة وإجراءتها الأمنية.. وهنا تظهر عدة جهات لتدير ملف قضيته بانتهازية صارخة..صديقه المحامي الفاشل يرفع دعوى بإخلاء السفارة، ليشتهر في سوق المحاماة.. ثم صديقه الصحفي المغمور، يحوّله إلى بطل ورمز للصمود، ليشتهر ويوّزع صحيفته.
:: ثم يتدخل الحزب الشيوعي، ويستقطبه رغم أنه لم يسمع بماركس ولينين من قبل..ثم تخطفه جماعة إسلامية، وتأمره بتنفيذ عملية فدائية في العمارة..و..و.. هكذا أدارت الانتهازية – وقطيعها – ملف قضية شريف خيري.. وكان هذا قبل أن تبتزه السفارة الإسرائيلية بعد تصويره في وضع مخل مع امرأة، ليتنازل عن الدعوى القضائية، فتنازل وتحول هُتاف الانتهازية – وقطيعها – من (شريف خيري رمز الصمود) إلى (شريف خيري الخائن العميل).
:: وكما وقع شريف خيري في ُجب الانتهازية، فيبدو أن اللاعب عبد الرسول أيضاً قد وقع في ذات الجُب.. فالشاهد، حسب شهادة وزير الرياضة، قضية اللاعب عبد الرسول تختلف عن أجندة الذين احتشدوا بالمطار.. عبد الرسول لم ينسحب احتجاجاً على مشاركة إسرائيل في المنافسة، ولا رفضاً لمواجهة بوطبول، ولكن بسبب تعرضه للإصابة خلال التدريب، هكذا قال وزير الرياضة آدم الضي عقب عودته من طوكيو، بحيث كان مرافقاً للوفد المشارك.
:: إذ يقول الضي بالنص : ( اللاعب كان جاهزاً، وتعرَّض للإصابة، وأخضعوه للفحوصات في المستشفى الأولمبي، ثم لراحة لا تقل عن ثلاثة أيام، وبالتالي لم يكن بالإمكان خوض النزال )..وعليه، فإن قضية اللاعب بسيطة للغاية، وهي الإصابة، ولكن أمروه وأجبروه بأن تكون قضيته فلسطين، فامتثل لأمرهم وإجبارهم، أي كما فعل شريف خيري..وبالمناسبة، قبل انسحاب عبد الرسول بيومين، انسحب اللاعب الجزائري نورين من مواجهة عبد الرسول، تجنباً لمواجهة محتملة مع اللاعب الإسرائيلي..!!
:: والجدير بالانتباه، فإن الاتحاد الدولي للجودو عاقب اللاعب الجزائري – على تسييسه للرياضة – بالإيقاف المؤقت، ولم يُعاقب عبد الرسول ولو بالعتاب، لماذا؟.. ليت الذين احتشدوا بالمطار ذاك الصباح سألوا أنفسهم هذا السؤال قبل أن يطلقوا العنان لحناجرهم.
صحيفة اليوم التالي