عبد اللطيف البوني يكتب :وداعا للسلاح
(1 )
تعرضنا بالأمس للرسالة الصوتية التي وجهها السيد ياسر عرمان المستشار السياسي للسيد رئيس الوزراء للسيدة اشراقة محمود التي وصفته بالانحياز وعدم الحياد، وقد أقر لها ياسر بذلك وقلنا ان الانحياز من عدمه لاجود له في هذه القضية، فياسر رجل سياسي معروف الانتماء والمواقف، والوظيفة وظيفة سياسية غير مبنية على قواعد عامة ولكنها وظيفة رسمية تستلزم ان يكون أداؤها بأدوات الدولة القانونية مع إبعاد تام للهوية السياسية، ومع ذلك فالذي استوقفني بالجد في رسالة ياسر الصوتية هو ما جاء عرضا عن اعتزاله للعمل المسلح واختياره للعمل السلمي بصورة نهائية وانه سيعمل على التداول السلمي للسلطة لانه هو الأصح بدليل فشل العمل المسلح في كثير من انحاء افريقيا. وفي تقديري ان ياسر هنا يقف موقفا قابلا للتموضع –هذه من الموضوعية- وليس خاصا به .
(2 )
المعروف ان السيد عرمان بدأ حياته السياسية متحزبا تحزبا عاديا ثم اختار العمل المسلح واندفع فيه ووصل مرتبة متقدمة جدا في الجيش الشعبي بقيادة جون قرنق دي مابيور، وبعد اتفاقية نيفاشا 2005 والتي كانت في شكلها هدنة مع المؤتمر الوطني مارس العمل السياسي من داخل وخارج البرلمان وبعد انفصال الجنوب واندلاع العمل المسلح مرة اخرى كان هو جزءا منه وظل فيه الى اتفاقية جوبا للسلام التي عقدت بعد ثورة ديسمبر المباركة، والمعلوم ان الترتيبات الأمنية التي نصت عليها الاتفاقية لم تكتمل بعد وان كافة الحركات المسلحة الموقعة على الاتفاقية مازالت محتفظة بجيوشها في انتظار الترتيبات ( دمج وإعادة دمج و تسريح والذي منه) فان يسبق ياسر كل هذا ويعلن اختياره للعمل السلمي مع ادانة غير مباشرة للعمل المسلح ففي الأمر جديد ، ومن المؤكدا ان هذا ليس من مطلوبات الوظيفة الجديدة لان كل قادة الحركات المسلحة الذين تسنموا وظائف سياسية دستورية الآن لم يعلنوا انهم قد خلعوا بزاتهم العسكرية وفي انتظار الترتيبات الأمنية، بعبارة ثالثة فلو لا سمح الله تعرقلت اتفاقية جوبا وعادت الحركات المسلحة للحرب فياسر لن يكون جزءا من هذه الحرب .
(3 )
ليس المطلوب الآن من ياسرعرمان ان يقدم نقدا ذاتيا لتجربته المسلحة أو بالعبارة الرائجة (ان يبصق على ماضيه) ولكن يمكن ان يطلب منه ان يعمل على ان يكون هذا موقف الحزب الذي ينتمي اليه وهو الحركة الشعبية شمال غير جناح الحلو. فالسيد مالك عقار عضو مجلس السيادة والقائد أحمد العمدة والي النيل الأزرق من ذات حزب ياسر ويتعدى الامر حزب ياسر الى قادة كل الأحزاب الموقعة على اتفاق جوبا وفي مختلف المواقع الدستورية فماذا لو أعلنوا إقلاعهم عن العمل المسلح منذ الآن والجلوس في مركب واحدة مع كافة القوى السياسية التي ليس لها جيوش ليكون جميع السودانيين حزمة واحدة (يربطها حبل ويفكها سيف) لا يعني هذا إلغاء الترتيبات الأمنية انما عدم جعلها شرطا لاستدامة السلام لاسيما وان الترتيبات الامنية تعترضها الكثير من التحديات أقلها النواحي المالية، فالذين وقعوا اتفاقية جوبا للسلام أصبحوا الآن حكاما وعرفوا البئر وغطاها . ان إعلان موقف مثل هذا سوف يؤدي الى تحصين التجربة الديمقراطية الحالية في البلاد وهي تجربة غير مستقرة تحتاج الى جرعات دوائية عالية مثل هذه التي حقنها بها ياسر الآن، فالتداول السلمي للسلطة لايحتمل وجود أحزاب مسلحة واخرى عزلاء . فالإخلاص والتجرد للحكم الديمقراطي، يستلزم اعتزال العمل المسلح نهائيا.
صحيفة السوداني