الطاهر ساتي يكتب: ترويض الطبيعة..!!
إليكم ………………… الطاهر ساتي
:: كشفت المسوحات الأولية لخسائر السيول والأمطار بالولاية الشمالية عن انهيار كُلي وجُزئي لما يزيد عن (450) منزلاً، وبعض المرافق العامة، ثم انقطاع الطرق وتساقط أعمدة الكهرباء.. وكل هذه الخسائر في أقصى شمال الولاية، وحسب تقرير – نشرته الغراء السوداني – فإن المناطق السبع المتضررة واقعة بمحليتي دنقلا ودلقو، وأن عمليات الحصر لم تكتمل في المحليات الأخرى، وأن المناطق بحاجة إلى تضافر الجهد واستنفار الهمم وخلق شراكات مع جمعيات ومنظمات المجتمع المدني، لإغاثة المتأثرين.
:: والجدير بالانتباه، هي ذات المناطق المنكوبة في خريف العام الماضي.. إن لم يكن كلها، فأغلبها تعرَّضت لنكبة خريف العام الماضي.. فالأهل هناك، كما في مناطق أخرى بالبلاد، يرفضون تغيير أنماط وأماكن حياتهم نحو الأفضل، بحيث لا تتعرض الأنفس والممتلكات للمخاطر.. وليس في أمرهم عجب، فالإنسان دائماً ما يكون على قناعة بأن تطوير حياته نحو الأفضل بحاجة إلى إحداث (تغيير ما).. ورغم قناعاته بجدوى التغيير، يظل أسيراً لما تعوَّد عليه، أي يخشي التغيير ويرفضه.. وتحت وطأة هذا التفكير السلبي، يقاوم التغيير ويُبقي على حياته – كما هي – بلا تطوير.. هكذا عقول السواد الأعظم من الناس، الرغبة في التغيير والخوف منه.
:: كتبتها في خريف العام الماضي، وليس هناك ما يمنع إعادتها طالما لم يتغير الوضع، ألا وهي أن السيول والأمطار لن تكون محض حدث عابر، بحيث نصرخ ونستجدي هذا العام ثم نواصل حياتنا بمنتهى اللامبالاة، أو كما يحدث سنوياً بالشمالية وغيرها.. ما يحدث ليس محض حدث عابر أيُّها الناس، فالمنطقة كلها – بما فيها بلادنا- تشهد تغيُّراً مناخياً منذ سنوات، وعلينا – مجتمع وسلطات – تكييف حياتنا بحيث تواكب المتغيرات المناخية، كما تفعل المجتمعات والأنظمة الواعية.. فالطبيعة لا تُقاوم، ولكن يمكن ترويضها، وهذا الترويض هو المواكبة.
:: فالإقليم الشمالي، كان محروماً من نعمة الأمطار قبل عقود، ولكنه اليوم لم يعد يختلف عن كردفان ودارفور والنيل الأبيض والجزيرة والقضارف والنيل الأزرق من حيث معدل الأمطار والسيول ومخاطرها.. وهذا من مؤشرات التغيُّر المناخي، ولكن من يعي؟.. والتغيُّرات المناخية من القضايا الإستراتيجية التي تضعها الدول في قائمة الأولويات، وذلك لعلاقتها باقتصاد الدول وصحة الشعوب.. وما لم تواكب المجتمعات – تخطيطاً وتنفيذاً – هذه التغييرات المناخية، يصبح الحال العام (ميتة وخراب ديار)، وهذا ما يحدث بالشمالية.
:: والتجربة الجديرة بالتأمل والتطبيق هي نجاح نمط حياة أهل القضارف في ترويض الطبيعة.. مهما بلغت غزارة الأمطار، لا تسمع لأهل القضارف صراخاً في موسم الخريف، لأنهم ما بين الأسمنت والقطاطي تقاسموا (الوقاية الجيّدة).. وكذلك نمط حياة الأهل بدارفور وكردفان، ولا أعني سكان المدن التي تعاني سوء التخطيط، بل الأرياف الشاسعة التي تحتفي بالأمطار والسيول، ولا تهابها أو تلطم الخدود وتشق الجيوب .. فالوقاية خير من العلاج والعويل.
:: والكثير من المجتمعات بحاجة إلى تغيير نمط الحياة ليواكب التغيُّر المناخي.. وعلى سبيل المثال، بيوت الطين لم تعد تقاوم التغيُّر المناخي بالشمالية، وكذلك النخيل لم تعد المحصول الأنسب.. ليبقى السؤال، ماذا على المجتمعات أن تفعل لتُغيِّر نمط حياتها؟ أي كيف يُمكن لهذه المجتمعات ترويض الطبيعة؟.. فالإجابة بطرف الدولة وتخطيطها الإستراتيجي، هذا ما لم نكن مجرد (لمة ناس) على قطعة أرض، ولسنا دولة.
صحيفة اليوم التالي