رأي ومقالات

محمد عثمان ابراهيم: حركة 9 طويلة الديمقراطية


في العام ٢٠١٣م تعرف المصريون على شاب حدث السن في التاسعة عشرة من عمره اسمه شريف الصيرفي. كان الصيرفي محرراً فنياً مبتدئاً لم يلفت النظر لكنه ظهر هذه المرة كزعيم لإحدى أقوى الجماعات الشبابية العنيفة والمعارضة لنظام الإخوان المسلمين والرئيس الراحل محمد مرسي وهي جماعة بلاك بلوك الغامضة التي نشأت فجأة ثم غابت بذات الطريقة عن الشارع المصري ولم يبق منها إلا كتابات هنا وهناك.
شاركت الجماعة في التظاهرات وفي تهديد شباب الجماعة الإسلامية الذين كانوا يمثلون قوات غير رسمية للإخوان واعتمدت الجماعة على إخفاء وجوه عناصرها بالأقنعة على نمط جماعات بلاك بلوك حول العالم الأمر الذي شجع الكثير من الشباب المتمرد والناقم على الانتماء إليها بشكل نظامي او غير نظامي وشاركت الكثير من الفتيات فيها خصوصاً في بعض التظاهرات حيث لبسن السواد وغطين وجوههن، وإن لم يشاركن في أعمال العنف.
كانت للجماعة شعارات وأغنيات راب تتحدث عن الثورة والتغيير ومناهضة سلطة الإخوان، ولعبت بعض الأدوار الأخرى مثل حراسة المنشآت التجارية، وحماية التظاهرات مستغلة غياب الشرطة وعدم تدخل الأجهزة النظامية الأخرى.
من الواضح ان جماعة البلاك بلوك المصرية كانت تجد قدراً كافياً من غض البصر الحكومي الذي كان ناقماً على سياسات جماعة الإخوان المسلمين ومستعداً لإسقاطها وفق آليات متناغمة وحاسمة، وقد بلغ التسامح معها أن اجرت مع جماعة منها مطبوعة لإحدى الصحف القومية حواراً في ذات الوقت الذي كان تصفها فيها الحكومة بالمجموعة الإرهابية وتطارد عناصرها.
أدت الجماعة مهمتها ثم ذاب أعضاؤها بأزيائهم السوداء الأنيقة وأقنعتهم وستراتهم الغالية الثمن كأنهم لم يكونوا هناك، وأصدر زعيمهم الشاب بياناً مقتضباً في وقت لاحق قال فيه إنه لم تعد بعد حاجة لوجود جماعته في الشارع.
***
في السودان نشطت منذ سقوط نظام البشير مجموعات إجرامية مسلحة تسليحاً جيداً، ولديها وسائل سريعة للتنقل والحركة، لكن من الواضح أنها لا تعمل تحت قيادة مركزية موحدة، ولا تتمتع بإلإنضباط وتنشط في نهب المواطنين وترويعهم وقتلهم خلال عمليات النهب.
صحيح أن ظاهرة خطف الهواتف النقالة والحقائب وكسر السيارات كانت نشاطاً اجرامياً ومنتشراً في العاصمة الخرطوم منذ سنوات، إلا أن الجرأة التي تمارس بها مجموعات ما يسمى ب(٩ طويلة) عملياتها الآن لا يمكن تفسيرها إلا بأنها تتم في ظل عملية تغاضٍ أمني حكومي واسع. يعلم القاصي والداني أنه إذا أرادت السلطات حسم هذه الظاهرة فإن تطبيق القوانين القائمة فعلاً يمكن ان يكون كفيلاً بالحسم، وإن دعت الضرورة فإن تشريع قانون جديد يفرض عقوبات حاسمة ورادعة على ممارسي هذا النوع من الجرائم يمكن ان يعيد ضبط الأمور.
في غياب المجلس التشريعي فإن اصدار القانون صار أسهل من (القاء تحية) وإن جلسة مشتركة للمجلسين المعنيين يمكن أن تعيد الأمان إلى شوارع الخرطوم. إن إجازة قوانين جديدة لضبط هذه الظاهرة أهم للسودانيين وأيسر على المجلسين من قانون الغاء مقاطعة إسرائيل، وإلغاء الردة، والسماح بتوريد واستخدام المشروبات الكحولية وحق النسوة في السفر إلى الخارج دون موافقة ذويهن وبصحبة أبنائهن وغير ذلك.
إننا نتمنى من الجهة التي تملي على وزير العدل تلك القوانين التي تراعي مصالحها ان تهتم مرة واحدة بمصالح السودانيين وتملي عليه قانوناً لإعادة الأمن والأمان إلى مواطني الخرطوم بحيث لا يكون استخدام طالب لهاتفه النقال سبباً في مقتله، أو تحرك امرأة وهي تحمل حقيبة سبباً في موتها.
***
إذا لم يحسم هذا الأمر الآن فليس مستبعداً ان نرى قريباً السيد رئيس القيادة المركزية لحركة (٩طويلة) الديمقراطية لتحرير السودان وهو يوقع اتفاقاً للسلام مع الحكومة يحصل بموجبه على نصيبه في السلطة والثروة، والحصانة لمنسوبي جماعته لنهب وقتل المواطنين دون منافسة أو تقييد.

محمد عثمان ابراهيم

*اليوم التالي/ ١٨ أغسطس ٢٠٢١م*