زهير السراج

زهير السراج يكتب : آلية (تنفيس) المبادرة !


*انطلت على غالبية الناس (خدعة ) تكوين آلية تنفيذ مبادرة رئيس الوزراء والاسماء التي اشتملت عليها، وشغلوا أنفسهم بتوجيه الانتقادات الى العدد الكبير للأعضاء، ووجود عدد من فلول النظام البائد، وعدم استشارة الاعضاء قبل الاعلان عن الاسماء مما أدى لبعض الاعتذارات، والمسافات الجغرافية الواسعة التي تفصل بينهم أو مشغولياتهم الكثيرة، وغيرها من الاسباب التي يمكن أن تعيق عمل الآلية وتمنعها من أداء المهمة التي أوكلت إليها، بينما رئيس الوزراء وطاقمه الاستشاري في غاية السعادة والانبساط بما يسمعونه من انتقادات بل وإساءات في بعض الأحيان، لانطلاء الخدعة على الناس وتحقق الهدف من تكوين الآلية، لدرجة أن رئيس الوزراء غرَّد بأنه يتابع كل الآراء والانتقادات الموجهة للآلية بسعادة، ولم لا، فلقد نجح في مسعاه، بما لم يكن ينتظره ويحلم به .. وهو ما سأشرحه لكم بعد قليل !
*ولكن دعوني أولاً أعود للمبادرة التي جاءت تحت عنوان (الأزمة الوطنية وقضايا الانتقال الديمقراطي):
*احتوت المبادرة على سبعة محاور تتمثل في: إصلاح القطاع الأمني والعسكري، العدالة، الاقتصاد، السلام، تفكيك نظام البائد، محاربة الفساد، السياسة الخارجية والسيادة الوطنية، والمجلس التشريعي الانتقالي.
*وحملت الطموحات التالية : توحيد الكتلة الانتقالية وتحقيق أكبر إجماع ممكن داخلها حول مهام الانتقال، الشروع مباشرة وعبر جدول زمني متفق عليه في عملية الوصول لجيش واحد مهني وقومي بعقيدة عسكرية جديدة عبر عملية للإصلاح الشامل بما يعبر عن تنوع السودان الفريد، توحيد مراكز القرار داخل الدولة وعملها وفق رؤية مشتركة، الاتفاق على آلية موحدة للسياسة الخارجية وإنهاء التضارب الذي شهدته الفترة الماضية، الالتزام بتنفيذ اتفاق السلام واستكماله كقضية رئيسية من قضايا الانتقال، تقوية توجه الحكومة والدولة الذي يقوم على الإنتاج المحلي وتخفيف الضائقة المعيشية وحماية الفقراء والمستضعفين بالتعاون مع المؤسسات الدولية، تحقيق العدالة وعدم الافلات من العقاب في كل الجرائم التي ارتكبت خلال العهد البائد وصولاً الى جريمة فض الاعتصام، الالتزام بتفكيك دولة الحزب لصالح دولة الوطن واستكمال مؤسسات الفترة الانتقالية وعلى رأسها المجلس التشريعي الذي حدد لتكوينه فترة شهر واحد فقط من اعلان المبادرة، بناء دولة مؤسسات وطنية مستقلة، والتزام جميع الأطراف فعلاً لا قولاً بالعمل من أجل الوصول إلى نظام حكم ديمقراطي مدني يقوم على أساس المواطنة المتساوية وإجراء انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة.
*كما تلاحظون، فإن أغلب محاور المبادرة تتناول قضايا من صميم اختصاص السلطة التنفيذية (الحكومة) أو رئيس الوزراء على وجه الخصوص، الأمر الذي أدى لتوجيه العديد من الانتقادات له، باعتبار ان الامر لا يحتاج الى طرح مبادرة والحديث عن أفكار وتقديم الاقتراحات، وإنما وضعها موضع التنفيذ بشكل مباشر حسب السلطات الممنوحة له، وإذا كان عاجزا عن ذلك، فمن المفترض أن يتنحى عن المنصب، وليس تقديم مبادرة تظهره بمظهر العاجز والضعيف، حسب انتقادات البعض !
*وكان أكثر ما لفت الانظار مهلة الشهر التي أعطاها رئيس الوزراء للقوى السياسية لتكوين المجلس التشريعي، وراهن الكثيرون على انقضائها بدون ان يحدث شيء، مما أشعر رئيس الوزراء بأنه تورط في تحديد المهلة بل في طرح المبادرة بأكملها التي يستحيل تنفيذ معظم جوانبها، خاصة ما يتعلق بالجانب الاقتصادي واصلاح الأجهزة الأمنية وتكوين جيش واحد يرفضه البعض من بينهم صاحب النفوذ القوي قائد قوات الدعم السريع، مما جعل (حمدوك) يجتهد في البحث عن مخرج آمن من الورطة التي وضع نفسه فيها، ولم يصدق الفرصة التي أتته على طبق من ذهب في اجتماع له مع تنسيقيات لجان المقاومة قبل أسبوعين، طرحت فيه سؤالاً عن (آلية تطبيق المبادرة والمدى الزمني لتطبيقها)، لم يكن الدكتور يملك رداً عليه في ذلك الوقت !
*وفجأة خرج على الناس قبل بضعة أيام بتكوين آلية لتنفيذ المبادرة، يُشتم منها رائحة بعض مستشاريه أصحاب الخبرة في الألاعيب السياسية، وضم إليها عدداً كبيراً من الشخصيات والمشايخ والأضداد السياسيين، بل وبعض المرضى طريحي الفراش منذ فترة طويلة، بما يجعلها عاجزة عن فعل شيء ، ويضع على عاتقها عبء الفشل، ويتيح له المخرج الآمن من الورطة التي أدخل نفسه فيها، وهو يشعر بسعادة غامرة من الانتقادات التي وجهت الى الآلية حتى قبل أن تبدأ في مزاولة أعمالها.
*تلك هي مسرحية الآلية التي انطلت على الكثيرين، بمن فيهم أعضاء الآلية أنفسهم الذين سيكتشفون قريباً أنه ليس هنالك ما يفعلوه سوى الثرثرة في البرامج التلفزيونية، وربما إقامة بعض الاجتماعات بمن حضر، يتبادلون فيها بعض الاحداث وذكريات الطفولة !

صحيفة الجريدة