الطبيب الإداري ..!!
إليكم …………………..الطاهر ساتي
:: قرار وزاري بتشكيل إدارة مستشفى الخرطوم..وقبل أن يجف مداد القرار الوزاري، عقد بعض العاملين بالمستشفى مؤتمراً صحفياً رفضوا القرار، بحُجة أن الوزير جاء بإدارة من خارج المستشفى، ثم وصفوا القرار بغير الصحيح، وأنه تم بدون التشاور معهم، وطالبوا بضرورة إلغاء القرار، و أشاروا إلى أن الوزير رفض مقابلتهم، وأن هذا التشكيل لايخدم العاملين ولا المرضى، وتم بطريقة غير صحيحة ومن خلف الأبواب المغلقة..!!
:: وقالوا في القرار الوزاري ما لم يقله مالك في الخمر، ثم هددوا الوزير نجيب بالتصعيد حال تم تنفيذ القرار..كل هذا الصخب لأن الإدارة الجديدة من خارج المستشفى، حسب وصفهم، وكأنهم ولدوا وتربوا وتعينوا في المستشفى .. فالقانون لايلزم الوزارة بتشكيل الإدارات من داخل المشافي .. ولو أن الإدارات مستوفية لشروط المهنية، من حيث الكفاءة والنزاهة، ليس مهماً أن تكون من داخل المستشفيات أو خارجها..قضيتهم انصرافية..!!
:: وبالمناسبة، المواكبة هي التي تنهض بالشعوب، وليس التقوقع في سجون العادات والتقاليد.. والتغيير – بمعناه الشامل – ليس هو إسقاط حكومة وتشكيل أخرى بذات المفاهيم المغضوب عليها، ولكن التغيير هو تغيير تلك المفاهيم، وذلك بإلغاء بعضها وتطوير البعض الآخر.. وأن يأتي وزير الصحة بالأطباء في إدارة المشافي ما هو إلا إعادة انتاج لإحدى أزمات القطاع الصحي، وهي أزمة الإدارة.. !!
:: إدارة المشافي صارت علماً يُدرس بالكليات والمعاهد العليا.. ويتخرج دارسها – بعد سنوات التعليم النظري والعملي – مُتخصصاً في إدارة المرفق الصحي بكامل التجانس والتنسيق مع الفريق الطبي العامل بذات المرفق .. ولكن هنا – رغم أنف شعار التغيير – ليس بمدهش أن نصرف على الطبيب ليتخصص في أمراض القلب أو الجراحة حتى يصبح (نطاسياً بارعاً)، ثم – فجأة – نحوله إلى (إداري فاشل).. !!
:: نعم، يجب إدارة المشافي بواسطة الذين درسوا علوم الإدارة وتخصصوا فيها، وليس بواسطة الذين درسوا علوم الطب وتخصصوا في علاج الأمراض.. فالطبيب السوداني بخير حين يتفرغ لمهنته (الطب)، ولكن تحت وطأة مفاهيم قديمة ومتخلفة تم تحويل هذا الخير إلى كوارث، وذلك بتحويل عمل هذا الطبيب البارع من ( الطب) إلى ( الإدارة).. كان على الوزير أن يكون شُجاعاً وعميقاً في التغيير، بحيث يفصل الطب عن الإدارة في كل المرافق الصحية.. !!
:: ولكن يبدو أنه يخشى الغضب حين يبعد الأطباء عن المواقع الإدارية بالمرافق الصحية.. نعم، سوف يغضبون عليه وربما يثورون ضده، فالكثير من جيل حنتوب وخور طقت لا يزال قابعاً في بئر مزاعم مفادها أن الأطباء هم أفضل خلق الله، وأكثرهم علماَ ومعرفة بكل الأشياء، بما فيها الإدارة.. مفتاح نهضة الدول والشعوب هو المؤسسية التي تقدس التخصص، ومن المؤسف أن تجهل أو تتجاهل كفاءات قادمة من وراء البحار، و من رحم المنظمات الدولية، أبجديات النهضة..!!
صحيفة اليوم التالي