الطاهر ساتي يكتب: طوبى للبُسطاء ..!!
:: قضية التصرف في خط هيثرو، المملوك لشركة سودانير، في مرحلة الاستماع لشهود الاتهام بالمحكمة التي يرأسها مولانا عبد المنعم عبد اللطيف.. و ليس فقط ملف (خط هيثرو)، بل كل الملفات التي تحولت – في عهد حكومة ما بعد الثورة – لقضايا جنائية، بعضها في مرحلة النيابات و أخرى في مرحلة المحاكم، أثارتها الصحافة في عهد المخلوع .. نعم كل القضايا التي على طاولة النيابات والمحاكم، ليست بجديدة على أسماع الشعب، ولولا الصحافة لما سمع بها أحد ..!!
:: لم يكن سهلاً نشر ملفات الفساد في عهد المخلوع .. كما تعلمون، كان هناك صلاح قوش و زبانيته، يصادرون الصحف بعد الطبع، لتتكبد الخسائر المادية والمعنوية، وثم يحرمونها من الإعلانات المستحقة، مع رفع تكاليف الطباعة بكامل التنسيق مع وزراء المالية ..وكان هناك مجلس الصحافة ولجنتا الشكاوى والرصد، ثم العقوبات المسماة بالإدارية، والتي منها المنع عن الصدور لفترة يحددها مزاج الأمين العاام ..!!
:: وكانت هناك شرطة النظام العام، وتسخيرها لترصد وتترصد بعض المغضوب عليهم، ليس لمحاكمتهم، بل بغرض الابتزاز أو التشهير .. وكانت هناك عمليات تلفيق الاتهامات وصناعتها خصيصاً، بحيث تشغلك عن أداء واجبك ..وكانت هناك .. وكانت هناك.. وكثيرة كانت وسائل الترهيب المراد بها تكبيل الصحف، بحيث لا تنشر ملفات الفساد، وما أكثر ضحاياها.. ولكن أقذر تلك الوسائل كانت وسيلة التشويش على الصحافة والرأي العام معاً ..!!
:: أي، ما أن تزيح صحيفة ما الستار عن قضية فساد، فبدلاً عن الاعتراف بالقضية ثم معالجتها ومحاسبة أطرافها، فانهم كانوا يجتهدون في تبريرها بأفعال و أقوال مراد بها صرف الأنظار والعقول عن ( القضية)..على سبيل المثال، كأن يتهموا الصحافة أو الصحفي بالشيوعية عند نشرهما قضية فساد، كان نوعاً من التشويش المراد به صرف العقول والأنظار عن تلك القضية ..وكثيراً ما كانوا يقولون بأن نشر قضايا الفساد مراد بها استهداف الإسلام و مكتسبات الأمة ..!!
:: نعم، طوال عقود الفساد الماضية، لم تمر قضية فساد أثارتها الصحافة دون اتهام من أثارها باستهداف الإسلام ومكتسبات الأمة، و يهذا الزعم أيضاً كانوا يخدعون البسطاء من عامة الشعب .. و اليوم، صحيح سقطت حكومة المخلوع، ولكن وسيلة التشويش وخداع البُسطاء لم تسقط بعد، بدليل ما يردده البعض في مواجهة الحقائق التي تنشرها ( اليوم التالي).. نشرنا خبر توقيف ضباط يتبعون لنيابة إزالة التمكين، فقالوا ( أنتم تستهدفون الثورة وتعيقون الانتقال والتحول الديمقراطي)، ولم ينفوا توقيف الضباط ..!!
:: ثم نشرنا صفقة شركة زبيدة، من حيث أنها تعاقدت على استيراد سماد اليوريا (بلا عطاءات)، و أن هذا يُخالف قانون الشراء والتعاقد، فقالوا (أنتم تستهدفون الثورة وتعيقون الانتقال والتحول الديمقراطي)، ولم ينفوا توقيعهم العقد بلا عطاء، بل اعترفت الشركة بذلك..وهكذا..لم تعد تمر قضية فساد – أو تصويب خطأ أو نقد مسؤول – دون التشويش عليها ثم ترهيب الصحيفة باستهداف الثورة وإعاقة الانتقال والتحول الديمقراطي .. والمؤسف للغاية، كما كان هناك بُسطاء يتم تخديرهم بالإسلام ومكتسبات الأمة، فهنا أيضاً بُسطاء يتم تخديرهم بالانتقال والتحول الديمقراطي، فطوبى للبُسطاء ..!!
صحيفة اليوم التالي