عبد اللطيف البوني

وبورصة المحاصيل


(1 )
بما أن الدنيا عندنا جائطة يكللها الإحباط بسبب الأخبار السيئة التي تنهمر علينا كلما فتحنا الجوال، فقد أصبح البحث عن خبر مفرح كالبحث عن قطة سوداء في ليلة مظلمة وفي غرفة مظلمة وهي غير موجودة، ومع ذلك اننا نرى ضرورة التبشير ومهمتنا نحن الذين نسود ورق الصحف صناعة الفرح وليس زيادة الهم والنكد ، لذلك نسعى للأخبار المفرحة بكل ما أوتينا من أدوات بحث .فبالأمس احتفينا بفكرة التحول الزراعي رغم انها مازالت في طور البذرة فهدفنا دفعها للأمام، فاليوم نواصل في ذات النهج التبشيري لتناول خبر مفرح آخر وهو موضوع بورصة المحاصيل وأخشى ما أخشاه ان تنطبق علينا قصة بخيت مع هلال رمضان التي فحواها ان بخيت أبصر الهلال فزغردت النسوة له فهاش ونظر الى السماء وقال (عليك الطلاق داك هلال تاني).
(2 )
ففي أخبار نهاية الأسبوع الماضي ان السيد جبريل ابراهيم وزير المالية قد كون لجنة من مجموعة تكنوقراط لوضع تصور لإنشاء بورصة للمحاصيل وكما هو معروف ان البورصة هي التي تحدد الأسعار مستعينة في ذلك بما عليه الحال في الأسواق العالمية مع اتباع الشروط والأساليب التي تعارفت عليها التجارة الدولية، فهي بذلك تحمي المنتج وتعطي التاجر فرصته في الربح ولكن في نفس الوقت لها محاذيرها خاصة في دول العالم الثالث حيث تدني الوعي وفوضى الانتاج وسهولة خم المنتجين وتردد وجشع التجار، فالشغلانة محتاجة الى توليفة وإخضاع للظروف المحلية وإلا ستكون الشغلانة كارثة على الزراعة والزراع فمثلا من شروط البورصة المعروفة ان المحصول يجب ان يكون موجودا ساعة العرض فاذا أحضر أحدهم قطنه للبورصة ولم يعجبه السعر فهل في مقدور مزارعنا أن يرجع بقطنه من حيث أتى مع تكاليف الترحيل القائمة الآن ؟
(3 )
الأمر المتفق عليه ان المزارع السوداني مازال (الضلعة الهشة) في عملية الانتاج وهو دوما نهبا للسماسرة والتجار الجشعين لذلك فهو في حاجة لحماية من قبل الدولة لأنها هي المعنية بتطوير الزراعة وزيادة الإنتاج، وقد كنا اقترحنا على وزارة المالية العمل بسياسة سعر التركيز التي أثبتت فعاليتها في محصول القمح ويمكن للمخزون الاستراتيجي ان يطبق ذات السياسة مع كافة المحاصيل الزراعية بما فيها القطن، فالقطن بالتحديد يشهد الآن توسعا أفقيا ورأسيا كبيرين ويحتاج زارعه لحماية ولكن يبدو ان الدولة رأت التحرير الكامل لأسواق المحاصيل، فهاهي تبدأ في إنشاء بورصة المحاصيل فعسى ولعل ان يكون في ذلك خير للزراعة والمزارع فكل الذي نتمناه ان يتسم الأمر بالمرونة وتقليب المصلحة العليا وإغلاق منافذ الفساد وإغلاق الطريق أمام الجشعين والمتلاعبين.
(4 )
نحن في السودان درجنا على ان يكون المسؤول الأول عن الزراعة هو وزير المالية وليس وزير الزراعة، فوزارة الزراعة وزارة فنية مثلها مثل وزارة الثروة الحيوانية عملها الرئيسي هو الإرشاد الزراعي اي النواحي الفنية، أما السياسات الزراعية فالمتحكم فيها وزارة المالية لانها هي (ست القروش) وهي التي تضع سياسات الصادر والوارد ولبنك السودان ايضا دور في هذا . في السنوات الأخيرة حاولت وزارة الزراعة ان تلعب دورا في رسم السياسات والخطط الزراعية ولكنها دوما تصطدم بأن أموال التنفيذ عند وزارة المالية، الآن برز القطاع الخاصَ وبدأ يلعب دورا كبيرا في السياسات الزراعية ولعل فكرة البورصة فيها اعتراف بوجود القطاع الخاص فمجمل الأمر محتاج الى ترتيب جديد، فخليكم معنا إن شاء الله .

عبد اللطيف البوني
صحيفة السوداني