عبد اللطيف البوني

نحو إعلام زراعي


(1 )
الرسالة الإعلامية لم تعد مجرد تابعة للحدث بل أصبحت جزءا منه ومكمل له فأي حدث مهما كانت أهميته سوف يموت إكلينيكا اذا لم يجد عملية اعلامية مصاحبة له تتبعه أولاً ثم تلازمه وقد تسبقه.
فالمهم ان تتفاعل معه بعيداً عن التجريد إذا أردنا نهضة زراعية حقيقية في هذه البلاد لابد من أن تكون مصحوبة برسالة إعلامية مندمجة ومتفاعلة معها لأن النهضة في بلاد كالسودان يقوم ثلثى القوة العاملة فيه بالعمل في الزراعة ( عشرة ملايين نسمة مليونين من المزارعين وثمانية ملايين عامل زراعي) اتعتمد على العنصر البشري وليس على الآلة مثل براري كندا واستراليا .
(2 )
في هذه الأيام يلحظ المرء وبكثير من الرضاء زحف الزراعة على الإعلام في السودان ففي يوم مضي كانت الصحافة في السودان سياسية رياضية فنية ليس فيها مكان للاقتصاد ناهيك عن الزراعة والإذاعة لاتسمع فيها شئ عن الزراعة إلا أيام حملة جني القطن (في الجزيرة نزرع قطنا ..) وما درى المغني المسكين أن القطن يومها كان عامل افقار ومصدر بؤس، أما في التلفزيون فلا تشاهد إلا برنامج الحقل والعلم للمرحوم نورالدين ساتي وهو برنامج إرشادي كانت تموله الفاو .
لقد كانت الزراعة تدار بماسونية بعيدة عن الاعين والاذان، اها تعال اليوم شوف كيف غزت الزراعة الوسائط الاعلامية بما فيها المستحدثة مثل منصات السوشيال ميديا، لقد دخلت حتى نشرات الأخبار الرئيسية وظهرت للملأ مفاتنها (على قلتها) وفضائحها وما أكثرها من تقاوي مضروبة وأسمدة منهوبة وعطاءات مكشوفة.
(3 )
ومع كل الذي تقدم نقول إن الإعلام الزراعي لم يتبلور بعد مثل الإعلام السياسي والرياضي مثلا فهو يعاني من حالة “بشتنة” وهذا راجع لأن النهضة الزراعية في بلادنا مازالت مجرد أشواق ولم يتبلور شكلها بعد ومازال دمها مفرقا على مؤسسات كثيرة مثل رئاسة الحكومة (رئيس الوزراء هو الذي يعلن سعر التركيز للقمح) ووزارة المالية حيث التمويل وبنك السودان حيث السياسات النقدية التي تؤثر على الصادر والوارد ووزارة الزراعة حيث النواحي الفنية والارشاد الزراعي ثم حكام الولايات (ديوك العدة ) إلا من رحم ربي فالنهضة الزراعية تحتاج إلى إصلاح مؤسسي في المقام الأول ثم خطط وبرامج واضحة ثم أجهزة تنفيذية، التي من ضمنها الإعلام ليقوم بالدور التوعوي والتبشيري وإذا لزم الأمر التحذيري.
(4 )
قبل أن نسترسل في “الحتة دي”، نطرح سؤلاً مهماًهو من الذي يصمم الرسالة الإعلامية الزراعية وينفذها هل هو الإعلامي الذي يجهل ميكنزمات عمل الزراعة أم الزراعي الذي يجهل ميكنزيمات عمل الاعلام ؟ هل ندرس الاعلامي الزراعة أم ندرس الزراعي الإعلام ؟.
في تقديري أن كل واحد منهما يجب أن يقف في مكانه فهذا زمن تخصص وتقسيم عمل فالإعلامي مستخدما ادواته المعرفية الإعلامية والاهم ذائقته الإعلامية هو الذي يجب أن يتحرك نحو الزراعة ثم المزارع ثم الزراعي ثانيا وهو الذي يصوغ وينفذ الرسالة الإعلامية المستوحاة من الإستراتيجية الزراعية، هذا إذا وجدت وإذا لم توجد كما في حالتنا في السودان، فواجبه أن يصمم الرسالة الإعلامية التي تسعى إلى ايجادها بعبارة أخرى إن الفراغ الإعلامي الزراعي هو مسؤولية الإعلامي وليس مسؤولية الزراعي وهنا أسمحوا لي أن اطمئن الذين يظنون أن الإعلام هو الإثارة والتهييج بأن الزراعة مليانة إثارة وفضائح ،رحم الله صديقي الراحل المقيم الدكتور عبد الماجد عبد القادر الذي قال في خطاب له بقاعة الصداقة (غابات الصمغ العربي فيها الأدب وقلة الأدب) .

صحيفة السوداني