الطاهر ساتي

الطاهر ساتي يكتب :( كان غيركم أشطر)


:: كثيراً ما أجتهد في عدم مقارنة ما يحدث للصحافة حالياً، بما كان يحدث لها سابقاً، أي قبل حكومة ما بعد الثورة .. ولكن للأسف، رُغم اجتهادنا في تفادي المقارنة، إلا أن هناك وقائع تأبى إلا أن تفرض نفسها على سطح الأحداث، وتجبرنا على المقارنة.. وعلى سبيل المثال، بالأمس أصدر النائب العام المكلف؛ مبارك محمود عثمان، قراراً بمنع النشر في قضية شركة زبيدة ..!!
:: نعم، لقد حظر النائب العام النشر في قضية زبيدة، لمنع ما سمَّاه بالتأثير في سير العدالة، وهذا ما كان يحدث قبل الثورة.. هي مادة بطرف النيابة العامة، كانت تُستخدم عند (اللزوم)، أي عندما تُصيب الصحف أجهزة الدولة بالصُداع، إذ بها يحظرون نشر القضايا التي يريدونها بأن تكون (مستورة)..وكنا نظن بأن (زمن الغتغتة والدسديس انتهى)، ولكن لم ينته، بدليل هذا الحظر..!!

:: وبالتزامن مع قرار حظر النشر في قضية زبيدة، تم تسريب ما سمّوها وثائق تثبت (فساد ساتي)، وهي أوراق قطعة أرض بمنطقة (أبو أدم)، بالكلاكلة، ونالها- بتسهيلات – من والي الخرطوم الأسبق عبد الرحمن الخضر، أي رشوة، حسب كذبهم .. لم تُزعجني الكذبة، ولكن أغضبني عدم تقييمهم لل (الرشوة)، وفي هذا عدم احترام لشخصي الضعيف..لو قيّموا الرشوة بحيث تكون قطعة أرض بالرياض أو كافوري ( مثلاً)، لما غضبت..!!

:: سأحكي قصة ( الرشوة)، ولكن قبلها أحكي لعضو السيادي محمد الفكي و والي الخرطوم أيمن نمر، واقعتين من حياتي، مع الاعتذار للقارئ على الخصوصيات..لم أكن بلغت من الُعمر( 19 عاماً)، عندما سجّل والدي – رحمة الله عليه – قطعة أرض باسمي في الخرطوم، فليأمرا – الفكي و نمر – حاشيتهما بأجهزة الدولة والإعلام بالبحث عن هذه القطعة وتسريب أوراقها وتحديد موقعها، ليعلم المخدوعون بأن قيمتها أضعاف (رشوة الخضر)..وهذا ليس فخراً، بل لتأكيد أن ساتي ليس من المخلوعين بالثروة و السلطة (الرابعة)..!!
:: أما الواقعة الثانية، بعد نيفاشا، ترشحت لاتحاد الصحفيين وفزت بعضوية المكتب التنفيذي.. وتحت إشرافنا، تم توزيع خطط سكنية و بيوت وشقق – بالخرطوم وبحري وأم درمان- للصحفيين بالأقساط المُريحة.. لعدد كبير جداً من الصحفيين، بمن فيهم محمد الفكي و فيصل محمد صالح و آخرين، وكان استحقاقاً .. ورغم أن قيمة أراضي الخطط السكنية و البيوت والشقة أغلى من (رشوة الخضر) الواقعة بالكلاكلة، قررنا – في اجتماع مكتب تنفيذي – عدم منافسة الصحفيين في (الدفعات الأولى)، وأن نستلم نصيبنا في الدفعة الأخيرة .. !!
:: وتم توزيع البيوت والشقق باشرافنا، وقبلها أشرفنا على أراضي الخطة السكنية؛ و لم يلتزم بقرار المكتب التنفيذي غير الطاهر ساتي وصلاح عووضة .. وإلى يومنا هذا، لا يملك ساتي شبراً في الخطة السكنية مع فيصل، ولا متراً في مدن و أبراج الصحفيين مع الفكي .. وعلى الفكي و نمر توجيه حاشيتهما – بأجهزة الدولة والإعلام – لتأكيد هذا الحديث أو نفيه؛ وهذا هو التحدي الأول.. وهذه الواقعة وما قبلها، مهداة للفكي ونمر، لتأكيد أن ساتي غير مخلوع بالثروة والسُلطة (الرابعة).. !!

:: أما قصة القطعة المُسرّبة أوراقها في إطار الابتزاز للسكوت عن أفعال (لصوص الثورة)، فقصتها كما يلي .. قرأتُ مزاداً لبيع قطع استثمارية في الصحف، مثل مئات الآلاف التي كان يتم طرحها بواسطة لجان، أي ليست تخصيصاً كما يكذبون.. استثمارية؛ للجميع وليس تخصيصاً؛ كما يكذبون، والأغبياء غفلوا عن شطب عبارة ( السيد مدير الإدارة العامة للإستثمار) من احدى وثائقهم.. قرأت الإعلان؛ و ذهبت لمصلحة الأراضي، وقدمت الطلب للسيد مدير عام الأراضي أحمد إدريس، وكان ذلك في العام 2012م..!!
:: وبالمناسبة، عامئذ كان راتبي (15.000.000 جنيه)، أي ما يُعادل (2.000 دولار)، وكان ذلك بصحيفة السوداني، وكنت زميلاً للبروفيسور عبد اللطيف البوني وعمالقة آخرين .. وقبلها، ما بين (2003 – 2010)، كنت بصحيفة الصحافة، في عهد الشراكة الذاكية، براتب (6.000.000 جنيه)، أي ما يعادل (3.000 دولار)، وكنت زميلاً للأستاذ الحاج وراق وعمالقة آخرين ..ثم شاركت في تأسيس صحيفة ( الحقيقة)، التي أغلقها مجلس الصحافة – بعد شهرين – يوم جمعة، حتى لا تصدر يوم السبت بفساد الطيران المدني .. !!

:: وهنا نسأل، كم كان راتب محمد الفكي عندما عمل مع عادل الباز في صحيفة الأحداث (ثلاثة أسابيع فقط لاغير)؟، هذا عُمره المهني في السودان، ولماذا غادرها سريعاً للعمل في خدمات المشتركين بشركة زين – كول سنتر- ليرد على شكاوى ( العُملاء )؟.. وهل يعلم الفكي أن ساتي من الذين كشفوا فساد مكتب الخضر، و عقودات شركة الزوايا التي تحدث عنها وجدي صالح في مؤتمرهم الاخير؛ ومئات الملفات التي يتحرون في بعضها حالياً؟.. هو لا يعلم أن ملفات الفساد التي كشفها ساتي أضعاف عمره المهني بالسودان ( 3 أسابيع)، و نجد له عذر الجهل، فالرجل كان مغترباً، بعيداً عن لظى الصحافة السودانية وسعيرها؛ و خادماً في صحافة بلاط (الشيخة موزة)، ثم جاء بعد الثورة و (لقاها باردة)..!!

:: المهم؛ نرجع للقطعة ( الرشوة) ..تقدمت بطلب لمدير عام الأراضي ( شخصياً)؛ ثم تابعت.. وكانت هناك خيارات كثيرة، ومنها أراضي بأرقى أحياء العاصمة، ولكن المبلغ المُدخر لم يكن بحجم أسعار أراضي الأحياء الراقية، ولو كان كذلك لما ترددت في شرائها..وبعد أسابيع من المتابعة، عرضوا لي هذه القطعة بواسطة لجنة من ثلاثة أعضاء، الأسماء في الوثيقة المسربة، وطبعاً ليس من بينهم الخضر، ولا مدير الأراضي.. فاللجنة تابعة لإدارة الاستثمار بالأراضي، ولها قانون ولوائح معمول بها حتى اليوم ..!!
:: ووفق القانون واللوائح، قدمت طلب بشراء القطعة، ووافقت اللجنة مع (التخفيض والتقسيط)، وهذا معمول به في الأراضي الاستثمارية حتى يومنا هذا.. فالقطعة إستثمارية، وليس تخصيصاً كما يكذبون .. ومع ذلك، أي رغم موافقة اللجنة على التخفيض والتقسيط، مثل آلاف المواطنين، لم التزم بالتخفيض ولم التزم بالتقسيط، والحمد لله على ذلك.. ولكن السُفهاء، بمنتهى الخُبث، نشروا موافقة اللجنة وجدولتها، و لم – ولن – ينشروا ما يؤكد سدادي (كامل المبلغ)، وفي ذات (عام الاستلام)..!!

:: فليأمر الفكي و نمر حاشيتهما بنشر كل الوثائق، لتكتمل الحقيقة أمام المخدوعين؛ بدلاً عن التزوير و القص.. وحتى لا أظلم آلاف المواطنين الذين نالوا الأراضي وبيوت الاستثمار بالتخفيض والتقسيط، أكرر بأنهم لم يرتكبوا أي خطأ ولم يخالفوا أي قانون، فالقانون واللوائح لا تمنع ذلك حتى اليوم.. ومع ذلك، أنا لم استغل القانون واللوائح، بل دفعت (كامل المبلغ) الذي حددته اللجنة، وفي ذات عام استلام القطعة، وقبل استلامها بنصف عام، لأن قوات تابعة لفاولينو كانت تحتلها- بمساكن عشوائية..!!

:: هذه قصة (رشوة الخضر)، أو كما يزعمون و يبتزون ، لنغض الطرف عن فساد لصوص الثورة، ولكن هيهات، غيرهم (كان أشطر).. لو للفكي و نمر – وحاشيتهما – ما ينفي هذه القصة؛ ويؤكد فساد القطعة؛ فبيني وبينهم نيابة الثراء الحرام ومحكمتها، وهذا بمثابة تحدٍ أمام الرأي العام.. لقد صمدنا أمام ترهيب وترغيب من كانوا يخدعون الناس باسم الدين، و سنصمد أمام من يخدعون الناس باسم الثورة، وهم فئة قليلة من الذين نلقبهم بالمسؤولين، ولن ندع هذه الفئة تلوث الثورة و الثوار .. !!

:: فليطمئن القارئ؛ لقد تعودنا على الترهيب والابتزاز، وكما تعلمون فإن أفعال الذين سبقوهم في السُلطة كانت ( أقبح وأسوأ) من هذا الهُراء، ومع ذلك عجزوا عن تحديد مسار هذا القلم، بحيث يكتب لهم ما يحبون .. فالمسؤول النزيه لا يبتز الصحفيين بالتسريبات، بل يحاكمهم بالمحاكم، هذا لو كان (نزيهاً).. وعليه، اعتذر لقرائي الكرام على هذه الزاوية التي كتبت فيها بعض خصوصياتي، لتطمئن قلوبهم.. أكرر اعتذاري، ونرجع لقرار حظر النشر في قضية زبيدة و أوكار فساد أخرى..!!

الطاهر ساتي

صحيفة اليوم التالي