تحقيقات وتقارير

تصعيد وإغلاق لماذا تأخرت الحكومة في نزع فتيل الأزمة بالشرق؟


قبل أسبوع كان المجلس الأعلى لنظارات البجا بشرق السودان يعلن يوم السابع عشر من ديسمبر ميقاتاً لإغلاق شرق السودان، في سياق رفضه لمسار الشرق الموقع في اتفاقية السلام بجوبا، يوم الجمعة كان الناظر ترك ومناصروه ينفذون ما أعلنوا عنه مسبقاً، وهي خطوة أعلن أن الهدف الرئيسي منها خنق الحكومة في الخرطوم، من أجل الاستجابة لمطالب الشرق الموضوعية ورد الحقوق، فالشرق الآن مغلق بما في ذلك مطار بورتسودان، والميناء؛ مما يستدعي السؤال حول موقف الحكومة والكيفية التي ستتعاطى بها مع ما يجري، وبالطبع لماذا لم يكن هناك موقف استباقي للخطوة برمتها؟

لا مبالاة
في السؤال عن الموقف الرسمي في التعامل مع أزمة الشرق الراهنة فإن الجميع يمضي نحو توصيف اللا مبالاة، باعتباره الأكثر تعبيراً عما يمكن رؤيته في اللحظة الراهنة، وهو ما حدث ذاته في قضايا سابقة وفي ذات المنطقة؛ ولمعرفة لماذا حدث ذلك، يظهر في كلمة مبثوثة لرئيس المجلس الأعلى لنظارات البجا والعموديات المستقلة في منطقة سواكن، حيث هاجم من خلاله المكون المدني، قبل أن يكشف عن معلومات بمطالبة وزير شؤون مجلس الوزراء، وأمين سر حزب البعث العربي الاشتراكي؛ علي الريح السنهوري، بحسم التصعيد في الشرق بقوة السلاح، وهو ما رفضه رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، مضيفاً أن هؤلاء لا يضعون اعتباراً لدمائكم، في آخر خطابه أكد ترك استعدادهم للتفاوض، مشترطاً أن يتم هذا الأمر بواسطة المكون العسكري مع رفضهم الجلوس مع المدنيين، وكان الناظر قد استبق إعلان الإغلاق في الشرق بإعلان استعدادهم لإعادة النظر، في حال كان لدى البرهان ونائبه حميدتي رؤية للحل.

مشادة كلامية
في اجتماع المجلس الأعلى للسلام تنقل صحيفة (السوداني) تفاصيل مشادة كلامية بين رئيس مجلس السيادة، ووزير مجلس الوزراء خالد يوسف؛ بسبب اعتراض الوزير على طريقة إدارة الاجتماع، الذي يناقش قضية الشرق، حيث تباينت وجهات النظر حول التعامل مع القضية المطروحة.
وطرح وزير شؤون مجلس الوزراء خالد عمر، رؤية للتعامل مع القضية تشمل إعلاء الحل السياسي الشامل، والموافقة على منبر تفاوضي منفصل يستكمل مسار الشرق؛ ليشمل جميع الأطراف، ويعالج القضايا التي طرحها معارضو المسار، مع التأكيد على الحق في التعبير السلمي الملتزم بالقانون، وضرورة تجنب قطع الطرقات المؤدي لخنق البلاد، داعياً لمنع ذلك بطرق غير عنيفة. وقالت مصادر (السوداني)، إن المشادة الكلامية بين رئيس مجلس السيادة ووزير شؤون مجلس الوزراء، كانت بسبب اعتراض الوزير على طريقة إدارة الاجتماع، حيث طلب من البرهان عدم توجيه الاجتماع في اتجاه محدد يتوافق مع رغبته. المشادة بين الوزير ورئيس مجلس السيادة تعزز فرضية تباين الرؤى في التعامل مع ملف الشرق بين مكونات الحكومة الانتقالية، وهو ما يبرر عدم وضوح الخطوات حتى الآن .

تطورات الأوضاع
تطورات الأوضاع في الشرق، وبحسب ما هو متداول، تشير إلى إغلاق الميناء الخاص بالمشتقات البترولية، وبالطبع إغلاق الطريق القومي الرابط بين بورتسودان والخرطوم، مقروناً ذلك أيضاً بعمليات إغلاق نفذها منبر البطانة الحر في منطقة الخياري، وإعلان مجلس شورى الجعليين عن كامل دعمه لخطوات التصعيد في الشرق، بل ودعم من يقومون بها في انتظار تطبيق النموذج ذاته في منطقة نهر النيل. وفي الوقت الذي يصر فيه المجلس الأعلى لنظارات البجا على الاستمرار في مشروع الإغلاق، إلى حين تنفيذ مطالبه الخاصة بإلغاء مسار الشرق، وإسقاط الحكومة المدنية، وحل لجنة تفكيك التمكين، في سبيل إنجاز ما قال إنه استعادة الثورة المسروقة، تخرج مكونات من شرق السودان مثل المجلس الأعلى للإدارة الأهلية بشرق السودان، وتطالب الحكومة بضرورة حسم ما قالت عنه فوضى إغلاق الطرق من قبل ترك وأنصاره، ويشير البيان بشكل واضح إلى أن ما يتم تنفيذه الآن لا يعبر عن مطالب أهل الشرق، حيث يحاول البعض الصعود عليها من أجل تحقيق غايات شخصية وذاتية، مما يعني أن حتى قرار الإغلاق غير متفق حوله، ومن شأنه أن يثير مواجهات ذات طابع أهلي بين من ينفذونه الآن، وبين الذين يرفضونه، خصوصاً في ظل تبادل تسجيلات صوتية وفيديوهات لمجموعات رافضة لخطوة الإغلاق، التي وصفها بيان المجلس الأعلى للإدارة الأهلية بالجريمة في حق الشعب السوداني كله، وأن الهدف منها هو النيل من الثورة، وخدمة لعودة الشمولية والاستبداد .

حراك حكومي
حسناً، وفي سياق الحراك الحكومي من أجل معالجة الأزمة الناشبة في الشرق الآن يتداول الكثيرون خبراً مفاده أن الحكومة قد أعلنت عن تكوين وفد للتفاوض مع الناظر ترك، فيه وزيرة الخارجية مريم الصادق المهدي، وعضو مجلس السيادة الفريق شمس الدين الكباشي، ووزير مجلس الوزراء خالد عمر يوسف، وكان اجتماعاً قد عُقد في وقت سابق في شرق السودان مع الناظر ترك الذي تم اختياره كعضو في آلية تنفيذ مبادرة رئيس الوزراء لدعم الانتقال، قبل أن يعلن انسحابه منها بمبررات وجود أسامة سعيد الموقع على اتفاق مسار الشرق في منبر جوبا للتفاوض، وهو المسار المرفوض والمطلوب إلغاؤه من قبل من يتحركون الآن ويغلقون شرق السودان، ويتمدد السؤال حول نجاح الحكومة ووفدها المفاوض في نزع فتيل الأزمة قبل استفحالها وتهديدها للبلاد برمتها؛ لجهة أن شرق السودان هو الميناء الذي يغذي السودان بالسلع والحياة في الوقت ذاته، وهو السؤال الذي ينبثق منه سؤال آخر حول مخرجات الاجتماع السابق ومع ذات المجموعة، ولماذا لم يتم تنفيذ مطلوباته؟

تباين وجهات النظر
يفسر مراقبون عملية بطء التحرك الحكومي لحسم ما يجري في الشرق الآن ومعالجة تداعياته بوجود التباين في وجهات النظر، بينما يشير كثيرون بأصابع الاتهام للمكون العسكري في الحكومة الانتقالية، وضلوعه في دعم مثل هذه التحركات التي يخوضها رجال إدارة أهلية مرتبطون ببنية النظام السابق، والهدف من هذا الدعم هو إحراج الحكومة المدنية برئاسة عبد الله حمدوك، وما يدلل على ذلك عدم مهاجمة المحتجين للمكون العسكري، وعزله على الدوام، ومغازلة أفراده بإعلانهم كامل الاستعداد للتفاوض معه دوناً عن المدنيين في الحكومة الانتقالية؛ مما يجعل مكونات النظام السابق وفلوله هم أكثر المستفيدين مما يجري في الشرق الآن، دون إبعاد إمكانية تورط مكونات خارجية ومخابرات دول فيما يحدث في الشرق الآن، وتوجيهه بما يحقق مصالحها على حساب مصالح السودان وأمنه القومي، وهو ما يجعل لمطلب المجلس الأعلى للإدارة الأهلية في شرق السودان وجيهاً، حين يدعو الجهات المسؤولة للتعامل مع الأحداث بقوة القانون، الذي يمنع منعاً باتاً تعطيل المؤسسات الحيوية، وتعريض حياة المواطنين للخطر، ومنحه الحكومة 48 ساعة لإنهاء ما سمَّاه بالفوضى، وإلا فإنه لن يتوانى في حماية الأهل والشعب.

الخرطوم: الزين عثمان
صحيفة السوداني