حيدر المكاشفي

حيدر المكاشفي يكتب : ضرورة ضبط وتقنين الوجود الأجنبي

تعيد عملية كشف ومداهمة مكامن بعض خلايا داعش النائمة بعدد من أحياء العاصمة، واستشهاد عدد من ضباطنا وضباط الصف والجنود بجهاز المخابرات والشرطة والجيش، نسأل الله لهم القبول، تعيد هذه العملية للواجهة قضية الوجود المتكاثف للأجانب بالسودان وضرورة ضبط وتقنين هذا الوجود، فللأسف ورغم أن البلاد قد لدغت كثيراً من هذا الباب الذي يلج عبره الأجانب، الا أن هذا الباب مازال مفتوحاً بدلالة أحداث الأيام الماضية، وهذا يعني أننا سواء على مستوى عامة المواطنين أو مستوى الرسميين، مازلنا نتعامل بسبهللية تصل حد الغشامة مع الزوار والمقيمين الأجانب، اذ لدغت البلاد من قبل من بعض الدجالين والمحتالين والمراوغين من الرجال والنساء الذين دخلوها بكل بساطة وراحوا يعيثون فيها بكل (انبساطة)، مستغلين بساطة اهلنا وغفلة رسميينا وتراخي اجهزتنا الامنية، فغير حشود المشعوذين والمستهبلين من دول غرب افريقيا وغيرها الذين اوقعوا كثيرا من الضحايا الذين اوهموهم بمضاعفة المال او اخافوهم بـ (شيل العدة)، وغير أولئك الذين أقاموا عيادات شاملة لمعالجة شتى الامراض من الجنون والى البهق، ولن ننسى قصة تلك الملكة المزيفة التي دخلت البلاد تسبقها كل ابهة الملوك مدعية بكل بساطة أنها حفيدة ملوك كوش هاجر أجدادها من أرض النوبة الى مملكة ترينداد وتوباكو قبل نحو قرن، وبهذه الخدعة البسيطة التي انطلت على رسميين ورأسماليين قضت المدعوة (شيبا ديبرا) أياما ملوكية وكانت تستقبل استقبال الملوك أينما حلت، بل كان بعض الولاة يسارع إلى ملاقاتها على مشارف ولايته بكل مظاهر الحفاوة والكرم لكسب ود الملكة (المزيفة) التي تملك وتدير منظمة أخرى مزيفة خلعت عليها اسما رنان وطنان هو (منظمة مملكة الشعوب للتنمية والبنى التحتية) ولعل هذا ما اسال (ريالة) بعض الولاة وبعض أصحاب المال فتكالبوا عليها يقبلون يدها ويقدمون لها فروض الولاء والطاعة طمعا في مشروع يصيبونه من مشاريعها الوهمية الضخمة أو دعما سخيا (ينوبهم) من قناطير الذهب المقنطرة التي لا وجود لها إلا في عالم الخديعة الذي رسمته باتقان، فبالغوا في اكرام وفادتها وأغرقوها بالهدايا الثمينة وأقيمت لها الاحتفالات والحفلات حتى أوشكت أن توقع البلاد في حبائلها تماما، لولا يقظة متأخرة كشفت زيفها وعرت حقيقتها.. وقصة الوزيرة الفرنسية سنغالية الأصل (راما ياد) التي لا يتجاوز عمرها العشرين ربيعا التي دخلت البلاد بأهداف نبيلة معلنة وتجولت في عمقها وأطرافها بأهداف خبيثة غير معلنة، فرغم أن مهمتها التي انتدبت لها هي متابعة قضية الأطفال الذين كادت احدى المنظمات الفرنسية أن تختطفهم عبر عملية قرصنة جوية لبيعهم كما تباع السوائم في سوق النخاسة الدولي، الا أنها سعت لاستغلال وضعيتها تلك للاتجار بهؤلاء الأطفال السودانيين، لولا يقظة الجانب التشادي الذي كشف العملية وأحبطها في آخر لحظة، وأما حكاية الحسناء (إليسا بلاسكو) التي خدعت المخلوع بأن اللاعب الضجة ميسي قرر اهداءه قميصه فصدقها بكل غشامة، بل التقط معها صورة قاسمها فيها عرض القميص على الملأ بابتسامة عريضة، فتلك حكاية تضحك الغنماية، ثم لا تنسوا خلية الدندر وحادث الجرافة والخليفي ومقتل غرانفيل وكارلوس وغيرها مما لايتسع المجال لذكرها..
لقد كان التعامل مع الزوار الأجانب وما يزال يتم ببساطة متناهية تصل درجة التفريط، لدرجة أثارت من قبل عدد من الخبراء والمختصين فجأروا بالشكوى من الارتفاع المضطرد لأعداد العمالة الوافدة وانعكاسات ذلك السالبة على الأمن القومي والاقتصادي والاجتماعي، بل ان احد الساخرين بإحدى المدن السودانية الكبيرة حين لاحظ تكاثر وجود الأجانب بمدينته الحدودية حتى طغى أو كاد على نسبة المواطنين، أطلق على السودانيين هناك مسمى الجالية السودانية، ويقدر بعض الباحثين نسبة الاجانب بــ 40 في المائة من جملة سكان العاصمة، بينما تذهب تقديرات سابقة لوزارة الداخلية الى أن عدد الأجانب بكل البلاد تجاوز الأربعة ملايين شخص، ومن المؤكد أن هذا العدد قد ارتفع الآن ولم ينخفض، وتؤكده الحدود المفتوحة على مصراعيها لكل داخل بطريق غير مشروع دون أن يجد ما يعترضه حتى يبلغ مبتغاه، علاوة على عدم اتخاذ السلطات لأي إجراءات ملحوظة لضبط هذا الوجود الأجنبي غير المشروع، ولا نقصد هنا بالطبع كل الوجود الأجنبي، فهناك وجود لأجانب بشكل شرعي ومقنن، ولهذا يجدر التنبيه لعدم تهييج الرأي العام وتعبئته ضد أي وجود أجنبي، فالوجود الشرعي للأجانب سواء اكانوا عربا أو أفارقة أو آسيويين أو أوروبيين هو وجود طبيعي، فكل دول العالم بها أجانب عاملون فيها ومستقرون بها، ونحن جزء من هذا العالم بل أننا لنا وجودنا وانتشارنا في كثير من دول العالم إن لم نقل جميعها، وهذا ما يملي علينا ضرورة تفهم وجود أجانب بين ظهرانينا، فنحن أيضاً وفقا لمواثيق وقوانين إنسانية دولية لدينا سودانيون أجانب في الدول الأخرى، وليس من الحصافة أن نغلق حدودنا وننغلق فى زمن العولمة، كما أنه من الغفلة أن ندعها مفتوحة هكذا (قراش ووكالة من غير بواب) للغاشي والماشي، يدخلها من يشاء وقتما يشاء (بلا احم ولا دستور)، المطلوب بين هذا وذاك، أن نتقبل الوجود الأجنبي الشرعي والمقنن والمعروف والمضبوط، ونكافح التسلل خلسة والوجود غير الشرعي، وتلك مهام لن نزاود عليها السلطات المختصة فهي أعرف وأدرى منا بها، مثل تسجيل وحصر الأجانب في البلاد ومعرفة أماكن عملهم وسكنهم بدقة، وعدم السماح لهم بممارسة أي عمل إلا بموجب تصريح، واتخاذ إجراءات مشددة في مواجهة المخالفين، وضبط الحدود والمعابر وعدم التساهل الى آخر هذه الإجراءات..

صحيفة الجريدة