مقالات متنوعة

زين العابدين صالح يكتب: السياسة و الرقص على صفيح ساخن


زين العابدين صالح عبد الرحمن
منذ توقيع الوثيقة الدستورية في أغسطس 2019م أن الأزمة السياسية تزداد اتساعا،و سوءا و فشل العقل السياسي المسيطر على السلطة الانتقالية أن يجد لها حلا، بل أصبح هو نفسه جزءا من الأزمة، و كلما تعمقت الأزمة كان العقل يتراجع دوره تماما، حتى وقع الانقلاب ” إذا كان حقيقة أو مسرحية” المهم أنه مظهر من مظاهر الأزمة السياسية في البلاد. و الأزمة كانت يوميا تخصم من المكون المدني الذي بدأ يتصدع و تدب فيه الخلافات. و فشل العقل السياسي أن يخرج من إرثه و يفكر خارج الصندوق. لكن مشكلة أغلبية النخبة السياسية السودانية المؤدلجة ” يسارا – يمينا” دائما تقدم شروطها باعتبارها هي التي يجب أن يتم تطبيقها، الأمر الذي يعمق الخلافات. فالديمقراطية لا تؤسس على فكر فصيل سياسي واحد أو مجموعة من القوى السياسية، أنما تؤسس على التوافق الوطني الذي يضمن الحماية الشعبية للإتفاق. و كان على الجميع أن يتعظوا من التجارب السياسية السابقة لكي يتم تجاوز كل العوائق و التحديات التي تعترض مسيرة عملية التحول الديمقراطي.
أن المجتمع الدولي من خلال مبعوثيه للسودان و الالتقاء بالقيادات السياسية و التنفيذية أكد على ثلاث قضايا : الأولي يجب الالتزام بالوثيقة الدستورية التي اتفق عليها و على ضوئها تمت عملية تشكيل السلطة التنفيذية. الثاني لمصلحة الديمقراطية و انجاز مهام الفترة الانتقالي التي تفضي إلي انتخابات أن يكون هناك تناغم بين المدنيين و العسكريين في الفترة الانتقالية. الثالثة يجب ألوصول لانتخابات في نهاية الفترة الانتقالية. و بالتالي أن الولايات المتحدة الني تراقب الساحة السياسية و عدد من دول الاتحاد الأوربي و المملكة المتحدة تركز على الوثيقة الدستورية و تدعو لعدم خرقها، و هؤلاء ينطلقون من ثقافتهم السياسية التي تلزمهم بأحترام الوثائق و التعهدات التي تم الاتفاق عليها. و هي لا ضد المدنيين و لا ضد العسكر، بل في مصلحة عملية التحول الديمقراطي. و أحد أفرازات الأزمة الإيجابية قد بدأ يطرق الحديث لعملية ” التحول الديمقراطي” و إكمال تأسيس المؤسسات التي تؤسس عليها الديمقراطية. المؤسسة العدلية بكل مكوناتها – تكوين المجلس التشريعي – تكوين مفوضية السلام – مفوضية الانتخابات – مفوضية العدالة الانتقالية – مفوضية الفساد – مفوضية الخدمة المدنية” و هي المؤسسات المنسية تماما، مما يدل أن عملية التحول الديمقراطي قد حصل لها إزالة من عقل السلطة لدي المكونين.
كان المتوقع في ظل هذه الأزمة السياسية؛ أن تبتعد القوى السياسية من حالة التكلس، و تقدم مبادرات سياسية تطرح فيها تصورا لحل الأزمة، أو أن تخلق بها حوارا مجتمعيا ينقل الناس من حالة الاحباط السياسي و التزمر إلي حالة يستعيد فيها توازنه، و يستطيع أن يفكر بوعي كامل بعيدا عن الانفعالات العاطفية، لكنها فضلت الدخول في صراعات عبثية تهدف إلي إرباك الساحة. و هي تصور غير موفق لفهم مصطلح ” الفوضة الخلاقة” خاصة أن السودان يمر بمرحلة تحول تحتاج إلي مساحات واسعة من الحرية و اسماع مبادرات مختلفة. مما يؤكد أن المباديء دائما يداس عليها بأقدام الذين يرفعون شعراتها، و تصبح السلطة هي الغاية و المبتقى، فالتطبيق دائما يكشف الشعارات الزائفة. و دور الإعلام الحكومي في الأزمة كان سالبا، حيث لعب الإعلام دورا في تأجيج الصراع. الأمر الذي يؤكد أن الأغلبية ماتزال تختزن الثقافة الشمولية بدرجات متفاوته. و كان المتوقع أن يلعب الإعلام دور المبادر في تقديم رؤى للحل.
هناك العديد من الأسئلة التي تفرض نفسها على الواقع: كيف يتم الخروج من هذه الأزمة؟ و هل القوى التي ظلت تتعايش مع الأزمة و تتجاهل معالجتها هم جديرون على الحل؟ و هل العقل السياسي السوداني مؤهل أن يقدم مبادرات سياسية تنقل الناس من حالة الاحتقان إلي الانفراج؟
أن التحديات التي تواجه السياسيين السودانيين بكل تياراتهم الفكرية، إذا كانوا في السلطة أو المعارضين لها، لديهم تصورات للحل السياسي، أن الأزمة السياسية التي حدثت بعد الانقلاب تؤكد أن الأزمة تتحكم في العقل السياسي و تقيده لذلك استطاع أن ينتج أزمة أعمق. و أيضا الأزمة أكدت وجوب التقيد بالوثيقة الدستورية لأنها مسألة مهمة و ضرورية لكي تعلم الناس احترام القوانين و التعهدات حتى في أوقات الأزمات. لكن أيضا كشفت أن البلد في حاجة لإحداث تغيير مطلوب في السلطة التنفيذية حتى تستطيع أن تجذب عناصر لها رؤى و تصورات تفتح نوافذ جديدة للحل. و أن الساحة السياسية في حاجة لعقول تستطيع أن تحدثتغييرا في طريقة التفكير السائدة، من خلال طرح العديد لأسئلة الجديدة، في حاجة لتغيير العقلية التي نضب خيالها لكي تفسح المجال لأخرين لديهم قدرة على الإبداع في مجال التغيير. الغريب في الأمر أن البلاد رغم أن الأحداث لم تغادر المحطة التي كان قد قدم فيها رئيس الوزراء مبادرته، مما يؤكد أن الساحة السياسية “محلك سر” لذلك البلاد في حاجة لعقول سياسية جديدة تستطيع التفكير خارج الصندوق و تبنى على المعطيات التي تقود بقوة إلي عملية أنجاز مهام الفترة الانتقالية في الوقت المحدد في الوثيقة الدستورية، و إرجاع الأمر لأهله ” الشعب السوداني لكي يقول و يختار العناصر التي يعتقد إنها قادرة على أن تنزل شعارت الثورة في الواقع. و نسأل الله حسن البصيرة.

صحيفة الانتباهة