تحقيقات وتقارير

لجعل التطبيع واقع.. الضغوط الأمريكية …هل تنهي خلافات الانتقالية


كشفت تقارير إعلامية غربية ومحلية، عن ضلوع الولايات المتحدة في موجة ضغوطات مارستها على السودان بصدد التوقيع رسمياً على اتفاق لتطبيع العلاقات مع تل أبيب وفق الموعد المحدد والمحتمل أن يستضيفه البيت الأبيض، فيما يرى عدد من المراقبين بأن السودان ليس بحاجة لضغط من قبل الولايات المتحدة لتنفيذ الاتفاق في الوقت الراهن، وذلك لكثرة الخلافات التي تعانيها الفترة الانتقالية بسبب شقيها العسكري والمدني. وأجمع مراقبون بأن كل هذه الخلافات ليس لها تأثير في توجهات سياسة الفترة الانتقالية المنفتحة على المجتمع الدولي وفقاً لسياسة المصالح،على الرغم من إقرار المراقبين بأن المكون المدني هو الأكثر ميلاً لأمريكا مهندسة ملف الاتفاق لذا فالتطبيع يمكن أن يتم دون أي ضغوطات من الجانب الأمريكي راعي اتفاقية أبراهام بالمنطقة.

ووفقاً للتقرير الذي بثته القناة الإسرائيلية فإن الأمريكان رفعوا سقف تسريع التطبيع خلال الفترة الأخيرة للضغط على السودان، من أجل التوقيع على اتفاق للتطبيع مع إسرائيل، وإطلاق علاقات دبلوماسية مع الخرطوم نتيجة لوتيرة الخلافات بين المدنيين والعسكر شركاء الفترة الانتقالية.

من جانبه ينظر المحلل السياسي أحمد عابدين للولايات المتحدة الأمريكية بأنها من خلال هذا الضغط ترغب في تحقيق مصالحها أياً كان لون السلطة عسكرية أو مدنية، واعتقد عابدين في حديثه للحراك بأن المدنيين الحاليين المتواجدين على رأس الإدارة التنفيذية هم أكثر اتساقاً والتصاقاً بالإدارة الأمريكية، وأكثر تماهياً فيها مما يجعل ضغط التطبيع تسقط عنه عملية المفاضلة بين ميول أحد شقي الانتقالية للاستجابة للضغط الأمريكي.

ويفسر ممارسة الضغط بالأمر الطبيعي متى ما توفرت عوامله، مشيراً إلى القرار السياسي الآن في الدولة الذي قال بأنه متنازع عليه وموزع وسط صراع النفوذ والمصالح. واستبعد أيضاً حاجة أمريكا في ظل الوضع الحالي لممارسة أي نوع من الضغوط، وحسب تعبيره فهو يرى بأن ما يتم من قبلها فهو مجرد تقديم لرشوة وكرت ضمان لمكاسب حزبية من جانب الشق المدني.

فرص الاستقواء :

فلاش باك:

وقبل عام ونيف بدأت الخرطوم أولى خطوات التطبيع بلقاء عنتبي بين البرهان والجانب الإسرائيلي، وبعدها أعلنت الخرطوم عزمها توقيع اتفاق لتطبيع العلاقات مع إسرائيل، وهو ما لم يحدث حتى الآن، وذلك ضمن ما عرف باتفاقية أبراهام ضمن التوقيع مع عدد من دول المنطقة العربية من بينها الإمارات والبحرين وقبيل انتهاء فترة الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته ترامب، إلا أنه لم يحدث واكتفى السودان حينها بتوقيع اتفاق تمهيدي، تشير التقارير إلى اكتمال حلقته في الـ27من أكتوبر الجاري بالبيت الأبيض الأمريكي.

وفيما يتعلق بالشق العسكري والحديث حول تبادل الوفود الأمنية والزيارة التي تمت إلى تل أبيب من قبل ضباط أجهزة عسكرية وأمنية، تحدث عابدين بأن التفاهمات مع إسرائيل في هذا الشأن ليست وليدة اليوم فهي قديمة ويمكن أن تتم دون الحاجة لتطبيع، مضيفاً بأن العسكر في الوقت الحالي وفي ظل تعنت المدنيين والتهديد بالعقاب الذي يمارس عليهم، يجعلهم يبحثون عن فرص استقواء وتأمين خاصة في ظل حالة السيولة الحالية والتي ستجعل أي محاولة للتطبيع سلاحاً ذا حدين، وبالتالي فهو ينظر للموقف برمته بأنه مجرد حالات تأمين فقط وتقوية نفوذ لكسب المعركة الحالية.

حالة ترقب :

واسترسل عابدين في حديثه للحراك بأن أمريكا تتماهى في الضغط من وقت لآخر حتى انقضاء الفترة الانتقالية، بكل ترقب حتى تكوين حكومة مستقرة حينها يمكن أن تستأنف مساعي التطبيع بشكل أكثر جدية وتحت ضغط ورقة الاقتصاد وأولويات حاجيات الشعب، وقتها حسب مراقبتها وفقاً لمؤشرات الموقف الحالي .

الشرق الجديد:

فيما نظر القانوني والمحلل سليمان الجدي،للموقف باعتباره خطة مسبقة وضعها وزراء الخارجية الأمريكية، منذ حديث مستشارة الخارجية الأمريكية السابقة كوندليزا رايس،في مؤتمر القاهرة أنذاك بالحديث عن خلق شرق أوسط بنسخة جديدة تسير نحو التطبيع مع إسرائيل وأن السودان ليس ببعيد عن هذا المخطط ضمن دول المنطقة. وأضاف الجدي في حديثه للحراك بأن الربيع العربي عقب اقتلاعه للأنظمة خلق إحداثيات، من شأنها تقبل إمكانية مناقشة التطبيع بأنه مسأله غير واردة لدى الشعوب بالمنطقة وإن رغبت الأنظمة في ذلك، مستشهداً بحديث الرئيس التونسي قيس السعيد بأن كلمة تطبيع لاوجود لها بالمعاجم العربية وأسماها بالخيانة، بخيانة الأنظمة لتوجهات الشعوب لتأسيس سياسة التطبيع على أساس تحقيق المصالح لنظام الحاكم وليس الشعب المحكوم.

حتمية الصراع:

ويرى الجدي بأن هذا يمثل حلقة صراع طويل اشتغلت عليه أغلب المنظمات الدولية، مشيراً إلى ممارسة الولايات المتحدة لضغوطات وصفها بالضخمة تدفع المتسيدين للمشهد السياسي السوداني للاعتراف بالتطبيع، لافتاً إلى رغبة السودان من خلال دراسة مجلس السيادة ومجلس الوزراء وفقاً لسياسة مصالح الدول والشعوب، فهي من تحسم ضبابية المشهد بغض النظر عن الشارع السوداني الذي هو ضد التطبيع والتعامل مع إسرائيل، باعتبار أن دولة الكيان معتدية على أراضي فلسطين التي تحوي مقدسات إسلامية على مر التاريخ، وجرائم إنسانية يغض العالم الطرف عنها ومن باب التعاطف الإنساني فكل شعوب المنطقة ضد أي تعامل مع إسرائيل، بخلاف سياسة المصالح التي تتبعها الأنظمة. وأضاف بأن رأي الحكومات ليس هو رأي الشعوب فالولايات المتحدة تمارس الضغوط لأجل خلق شرق أوسط تستطيع التحكم فيه وفقاً لمصالحها، ويظن أنها نجحت في ذلك. واختتم الجدي حديثه بأنه لا يعتقد بأن لخلافات الشق المدني والعسكري بأن لهذا معنى بخصوص السياسة العامة للحكومة الانتقالية، وذلك فيما يتعلق بما أشيع بأن أمريكا تسعى للتطبيع قبيل انتهاء فترة حكم العسكر. ونوه الجدي إلى أنه وفقاً للمفاهيم الدستورية فإن الحكومة الانتقالية ليس بمقدرها دستورياً أن تقرر في شأن التطبيع، إلا إذا أتت حكومة منتخبة في انتخابات مشهودة تستطيع من خلالها تقرر بناء العلاقات الخارجية، وخلق العلاقات الدبلوماسية أو العداء وفقاً للمفاهيم الدستورية السائدة .

ومن جانبه يراقب الشارع السوداني أيضاً الموقف بحذر على أمل أن تنهي مكونات حكومة الفترة الانتقالية صفحة الخلاف، وتنتبه للسياسة الخارجية التي يعول عليها في الدفع بعجلة الانتقال الديمقراطي بالبلاد.

الخرطوم:بتول الفكي
صحيفة الحراك السياسي