رأي ومقالات

محمد عثمان: كما أن هناك دكتاتور عسكري، هُناك دكتاتور مدني


هُناك أسئلة مفتوحة، وهم من صميم أزمة الوضع الحالي، تحتاج أجابات شافية وشجاعة، وليس مسكنات وهُتاف، حتى تضعنا تضعنا في الطريق الذي نأمل أن نجد عبره إيجاد طوق النجاة للوطن. وهي مجموعة أسئلة موجهة لقوى الحرية والتغيير (مجموعة الأربعة)، الأجابة عليها اعتقد أنها ضرورية، لأنها تُحدد وتختبر مدى جديته سعيها نحو في الانتقال الديمقراطي، هل هو سعي حقيقي؟ أم مزيف؟.
وأرجو أنت تجد أجابات شافية، بعيدًا عن التشنج والهُتاف، والأسئلة وهي:
*كفلت الوثيقة الدستورية الحرية لجميع المكونات السياسية والاجتماعية السودانية، فلماذا لا نسمى اعتقال الناس ومصادرة حرياتهم بالشهور الطويلة في المعتقلات، دون توجيه أي تهمة واضحة لهم، وتقديمهم لمحاكمة عادلة، مصحوبًا والسكوت على ذلك الفعل الشنيع من قبلكم، فلماذا لا نسمي ذلك الفعل انقلابًا على الوثيقة الدستورية ؟!.
(نموذج الالتفاق على بنود الوثيقة الدستورية)
*نصت الوثيقة الدستورية على أن الملف الاقتصادي من صميم الجهاز التنفيذي المدني، وبمحض أرادته الحكومة ومن خلفها حاضنتها سلمت الملف للآلية الاقتصادية، ورئيسها التابع للمكون العسكري. وبصورة مشابهة فعلت في بعد ملفات السياسية الخارجية، وذاك ملف ما أصطلح على تسميته بـ”سلام جوبا”.
(أليس هذه انقلابات على الوثيقة الدستورية)
*نصت الوثيقة الدستورية نفسها على تكوين الحكومة الانتقالية من كفاءات وطنية، لكنها شُكلت عبر محاصصات حزبية واضحة، من قبل أحزاب مجموعة الأربعة، فهل يستحقون اسم انقلابيين على هذا الفعل؟.
*عُدلت الوثيقة الدستورية بموجب اتفاق جوبا،وحذفت كلمة كفاءات وطنية من الوثيقة الدستورية ، برضاكم، وعن طريق مجموعة أشخاص في جوبا، ورشحتهم كوادر حزبية من مجموعة الأربعة للحكومة، وتفاجأ الشعب لاحقًا بذلك، فهل هذا أنقلاب أم لا؟!
(نموذج على دكتاتورية المدني)
*نصت الوثيقة الدستورية في فقرة صريحة بتكون المجلس التشريعي الانتقالي في مدة لا تتجاوز الـ(90) يوم، ولحين ذلك يقوم المجلس المشترك بهمام التشريع، لكن هذا الوضع استمر حتى لحظة حل الحكومة، أي أكثر من عامين، ومررت قوانين كثيرة مثيرة الجدل، وعقدت اتفاقات، وانضمت البلاد لاتفاقات، وتم تجاوز المهام الأساسية للفترات الانتقالية، أذًا لماذا لا نسمى ذلك أنقلابًا على الوثيقة الدستورية أيضاً؟!!
وما أكثر الانقلابات.
(نموذج على تعطيل بند من الوثيقة الدستورية)
وعليه نقول:
كما أن هُناك معتقِّل ومصادر لحريات الناس ببزة عسكرية، هناك أيضًا مُعتقِّل مدني.
كما أن هُناك انقلابات تتصدر مشاهدها البزة العسكرية، هناك انقلابات تتصدرها البدل ذوات رباط العنق.
وكما أن هناك دكتاتور عسكري، هُناك دكتاتور مدني.
وكما أن هُناك انقلابي على ظهر مصفحة عسكرية، هناك انقلابي على ظهر فارهة مكيفة.
ونضرب الأمثال، عسى ولعل تكون مفيدة لمراجعة التجربة.

هُناك طريقتان للتعلم:
الأولى: الأهتداء بالتجارب السابقة، واستخلاص العِّبر من تجارب الآخرين، لتفادي تكرار مآلات شبيهة بما وصلوا إليه، وهي طريقة قليلة الألم والتكلفة.
الثانية: خوض تجربتك الخاصة، وتكرار سلوك مشابهة لما قام به أسلافك، أو ربما تجربة إنسانية حولك، فتتوقع الحصول على نتائج مختلفة، أما هذه فطويلة، شاقة، وشديدة التكلفة.
من باب المسؤولية التاريخية، وبناءً على الواقع السياسي والاقتصادي والأمني الذي تمر به البلاد ، نحن في حاجة عاجلة إلى جراحة مؤلمة وضرورية بين جميع مكوناتها السياسية والاجتماعية، عبر تنادي وطني جامع يتواضع فيه الجميع على برنامج إنقاذ شامل يؤمن قدر من الاستقرار السياسي، يعبر بما تبقى من فترة الانتقال.
فالتناحر، والصراع، وانتهاك على حقوق الآخرين، واتباع سياسة حافة الهاوية بين تلك المكونات، يهُز استقرار البلاد التي تُعاني الآن أصلا من هشاشة في عدد من المناحي. فالأولوية الآن للتواضع والتنادي، تنادي يشبه نفرة للتبرع بالدم لمرض قُرر له الدخول في عملية جراحية دقيقة وعاجلة وضرورية.
فأن كان هُناك حل وما مخرج آمن من هذا الوضع، فهو بلا أدنى شك حل جماعي.

محمد عثمان ابراهيم