رأي ومقالات

علي: لا تسمح لأحد يا عزيزي أن يُؤطلسك، فأنت إنسان عادي وبسيط


منذ ديسمبر 2018 و حتى الآن، و تصدُّر الثورة و ما تبعها مشهد واقعنا الاجتماعي= يمكننا أن نرصد بوضوح ظاهرة ” التضخم السياسي” عند الشباب ..تورُّم ذهني و ثقافي و اجتماعي يدور حول السياسة كمركز و مُحدد لحياة هذا الجيل.
– طبيعي أن يتفاعل و ينفعل الشباب مع واقع و حدث ساخن مثل الثورة و ما تبعها، فالإنسان لا ينفك عن التعاطي مع واقعه الاجتماعي؛ لكن أن تتحول الثورة و ما تبعها من حيثيات سياسية كثيرة و متواصلة و متداخلة (تحالف، تفاوض، شراكة، مواكب، لجان، خطط..الخ)= كمحدد رئيسي يعيد تعريف الشباب لأنفسهم و ذواتهم فهذا خاطيء و غير صحّي و مُشوّه.
– مع تسلسل أحداث الثورة و ما تبعها و إحباط الشباب من كل النخبة السياسية من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار = هناك أصوات متزايدة و متعاظمة تهيب بالشباب أن يتولوا زمام الفعل السياسي في البلد و تمثيل أنفسهم بأنفسهم – و هذا شيء مشروع و سليم و لا غُبار عليه – فأصبح بذلك جيل الشباب الحالي هم الشارع و المواكب، و هم الشهداء، و هم الجرحى، و هم الساسة المرتقبين بإعلانهم السياسي و برامجهم السياسية المفصّلة، و هم مَن سيجلب القصاص للشهداء و العدالة لأُسَرِهم و هُم متحمّلي مسؤولية مستقبل هذا البلد، و غير ذلك.
– كل القضايا دي مُهمة و نبيلة، لا شك في ذلك، لكن مهم كذلك أن يتذكر الشباب إنو حياتهم فيها حاجات تانية برضو غير الثورة و السياسة و حال البلد، و ممكن عادي تكون أَوْلى و أهم، و بالطبع ما بالضرورة كل الشباب يقوموا بي نفس المهمة و نفس الأدوار في نفس الوقت، و من نافلة القول كذلك إنو خدمة البلد و الواقع عندها طرق و أشكال عديدة و مختلفة و متنوعة، النقاط دي على بداهتها و وضوحها إلّا إنو من المهم ذكرها خصوصاً في ظل الموجة العالية من رمسنة و أسطرة و التصفيق العالي جداً من البعض للشباب و دورهم و مطالبتهم بإنقاذ واقع البلد و مستقبلها.
– بذكر الكلام دا لأنو شايف “التضخم/التورُّم السياسي” قاد و قعد يقود شباب كتيرين للإحباط و الإكتئاب و التنشنة و التوتر الكثيف، من انخراط البعض في نوبات بكاء هستيري بعد اتفاق حمدوك، و اكتئاب البعض او دخولهم في نوبات سُباب فظيعة عند أي حدث كبير من احداث واقع الثورة السياسي، و بكون في شعور كبير و مُبالغ فيو بالذنب و بالمسؤولية عن أي شي سيء صغير أو كبير حصل و بيحصل في واقع البلد.
– فإنك تربط كل حياتك و تخلي المعنى بتاع وجودك مرتبط بصورة متضخمة بشكل مبالغ فيو بالثورة و السياسة و حال البلد = دا حتماً حيخليك عُرضة للتشوُّه الذهني و النفسي و التقصير – لو ما الفشل – في بقية جوانب حياتك، و مهم تتذكر إنو حياتك فيها برضو: مستقبلك الشخصي سواء الدراسي أو المهني، علاقتك بي ناس البيت، علاقتك بي ربنا سبحانه و تعالى، و تطورك الذاتي و علاقتك بمحيطك و مجتمعك، و ما تربط معنى حياتك بي مُحدد واحد بس، و لا تخلي زول يختك في كورنة واحدة ويصفق ليها فيها و يخليك تعرِّف حياتك على أساسها، فما كفاية إنك تكون “ديسمبري عظيم، مُنجِز قاعدياً ..الخ” و انت مقصّر في أوْلى أولويات حياتك التانية، في ناس اختاروا الدرب دا لي حياتهم؛ سعيد و بخيت عليهم، فما بالضرورة يكون دا دربك برضو الانت متمحور حولو.
– و ما تخلي زول يبتزاك أو يزايد عليك؛ بي إنك عايز الجامعة تفتح، أو عايز تركز في شي تاني أو عايز أي شي غير الثورة و السياسة = بالتالي يصوّرك كخائن أو لا مُبالي ..الخ = بقية جوانب حياتك برضها جوانب مهمة و مشروعة و بعداك ممكن تخدم الشأن العام بالبتشوفه مناسب معاك، في ناس خلّدهم التاريخ و كانت أدوارهم بسيطة شديد أو تقريباً عملوا شي واحد و بسيط و خلّدهم التاريخ؛ زي مؤمن آل فرعون الما ذُكِر عنه شي غير إنو نبّه سيدنا موسى بأن الملأ عايزين يقتلوه، و عامر بن فُهَيرة الما اتذكر عنه شي غير انو مشى بي غنمو فوق آثار النبي عليه الصلاة و السلام و أبوبكر في الهجرة و ضلل ناس قريش، و رابحة الكنانية المشت مسافة كدّاري و نبّهت جيش المهدي لي غدر الانجليز .. و غيرهم الكتير جداً من النماذج الخلّدها التاريخ و هم ما عملوا شي في مسار حياتهم غير خطوات بسيطة كانوا بقدروا عليها اتخذوها في اللحظة المناسبة، دي ما دعوة للتخذيل أو تكسير المجاديف، و لكن للتذكير بي إنو حياتك فيها جوانب تانية مهمة و نبيلة و ما تسمح لي زول يعرّفك و يشكّل حياتك بناءً على جانب واحد بس و إن كان نبيل برضو.
* الصورة أدناه:
لأحد آلهة اليونان القدامى يُسمى ” أطلس”، كان – حسب أساطير اليونان – يحمل ثقل الكون بالسماء و الأرض على ظهره، لا تسمح لأحد يا عزيزي أن يُؤطلسك، فأنت إنسان عادي و بسيط عندك آمال و طموحات و رغبات و قضايا كثيرة نبيلة، خاصة و عامة، إكلفها بما تطيق و ما يتيسّر؛ فكُلٌّ مُيسّر لما خُلِق له.


آسف على الإطالة.

Ali Abuidress