الرسوم الجامعية .. الخُروج عن السّيطرة!!
طلاب: رسوم التسجيل تضاعفت بنسبة 400% وهناك رسومٌ مُبتدعةٌ
أستاذ جامعي: الزيادات ناتجة عن إحجام الدولة عن الصرف على التعليم
خبير قانوني: التعليم أصبح حصرياً للأغنياء وهذا نهج صندوق النقد والبنك الدوليين
خبير: ضعف الأداء الاقتصادي للدولة أبرز الأسباب
ارتفعت رسوم التسجيل ورسوم استخراج شهادة التخرج وغيرها من الرسوم الإضافية بمؤسسات التعليم العالي، نتيجة للتضخم الذي ضرب القطاع الاقتصادي مؤخراً، وتضاعفت رسوم التسجيل أكثر من خمسة أضعاف الرسوم الدراسية، وأضحت هاجساً يُؤرِّق طلاب الجامعات، إلى جانب الإشكالات الأخرى التي ظلّت تُلاحق الطلاب منذ أكثر من ثلاثة أعوام…
رسومٌ مُبتدعةٌ
واخترع عدد من الجامعات والكليات الخاصة, رسوماً على الطلاب تحت بند رسوم الملاحق وتُدفع حسب المواد التي رسب فيها الطالب, فكلما ارتفع عدد المواد ارتفعت المبالغ المالية.
وفي حديثها لـ”الصيحة” قالت الطالبة آمنة أحمد الذي تخرجت منذ عام في إحدى الكليات الخاصة, إنها وبسبب الرسوم العالية لامتحانات الملاحق وشهادة التخرج لم تتمكّن من الجلوس للامتحانات, وبالتالي لم تتمكّن من استخراج شهادة التخرج, لأن الرسوم تفوق طاقتها، وأضافت: (عند دخولي للكلية لم تكن الرسوم بهذا الارتفاع ولا أدري ما مصيري وقد يضيع جهد سنواتي التي مضت)، وأرجعت تلك الرسوم بسبب عدم قُدرة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي على فرض رقابتها على مؤسسات التعليم العالي الخاصة.
وقالت الطالبة (م) بكلية السودان الجامعية للبنات, إن الرسوم الدراسية أصبحت تُشكِّل عبئاً ثقيلاً عليها ولا سيما بعد الزيادات الأخيرة, وأضافت بأنه عند قبولها في ذات الكلية كانت رسوم التسجيل ألف جنيه وأصبحت اليوم (٤٠) ألف جنيه..!
تجربة مريرة
والتقت “الصيحة” بأحد أولياء أمور الطلاب، الذي أفاد أن الرسوم الدراسية أصبحت هاجساً للأسر السودانية, ووصف هذه الزيادة بالخرافية, وأكد أن الأسر غير قادرة عليها خاصةً مع تدهور الوضع الاقتصادي بالبلاد.
وقال أحد طلاب الطب بإحدى الجامعات الحكومية, إنه عند امتحانه للشهادة السودانية لأول مرة أحرز نسبة لم تمكنه من دخول الكلية بالقبول الحكومي, وعرضت عليه الأسرة فكرة القبول الخاص, ولكنه رفض وامتحن شهادة سودانية مرة أخرى وتفوق بنسبة عالية مكّنته من دخول كلية الطب بالقبول الحكومي, ولكنه وجد مفارقة في رسوم التسجيل والدراسة الذي أصبحت تفوق رسوم القبول الخاص في السنة الماضية، الأمر الذي جعله يتحسّر على العام الذي ضاع في الاستذكار، خاصة في ظل الظروف التي تمر بها البلاد والإغلاق المستمر للمؤسسات التعليمية.
واقعٌ متصلٌ
وقال المحاضر بجامعة النيلين د. موسى المصباح لـ”الصيحة”, إن واقع الجامعات لا ينفصل عن الواقع الاقتصادي في البلاد,
وأبان أن التدهور الاقتصادي للبلد انعكس على كافة مناحي الحياة وقطاعاتها المختلفة بما فيها التعليم العالي, حيث أشار إلى أنه أصبح من أكثر القطاعات التي تأثّرت في ظل إحجام الدولة عن تلبية الكثير من احتياجات العملية التعليمية في الجامعات، وتوجيهها بالاعتماد على مواردها الذاتية، ما يعني تلقائياً فرض رسوم إضافية على الطلاب, وذكر أنّ الزيادة الكبيرة على قيمة هذه المتطلبات تلقي على الجامعات أعباءً إضافيةً, فتلجأ الجامعات إلى فرض رسوم على الطلاب هذا في جانب التعليم الحكومي, أما التعليم الأهلي الخاص فهؤلاء للأسف يتعاملون مع التعليم بعامل الربح والخسارة، وهم الأكثر فرضاً للرسوم على الطلاب بمُسمّياتها المُختلفة, وأضاف أن الغرامة على التأخير في سداد الرسوم تمثل النموذج الحي للنظرة التجارية البحتة للتعليم من قِبل إدارات هذه الجامعات، وهي أشبه بما يُطبّق دولياً بفرض فوائد على التأخير في سداد ديون الدول.
وقال إنّ على الجهات المسؤولة في الدولة التدخُّل لكبح جماح هذه الإدارات ومُحاربته النهب الذي تمارسه على الطلاب, والالتفات إلى الجامعات الحكومية وتلبية احتياجاتها.
زيادات غير مُبرّرة
فيما ذهب الخبير الاقتصادي برفيسور عبد الوهاب بوب في إفادته لـ”الصيحة” إلى أنّ زيادة الرسوم الدراسية والتسجيل للدراسة بسبب ضعف موارد الجامعات السودانية, وكذلك انعدام تمويل وزارة التعليم العالي بصورة عامة، وهذا جرّاء ضعف الأداء الاقتصادي للدولة بصورة عامة وزيادة الإنفاق في قطاعات غير اقتصادية وغير مُنتجة، وبالتالي تتّجه إدارات الجامعات إلى فرض المزيد من الرسوم على الطلاب فوق الطاقة المُمكنة للطالب السوداني وتحميل الأسرة المُتطلِّعة لتعليم أبنائها أكثر من طاقتها.
وطالب بوب, الدولة بتخصيص أموال محددة من الميزانية العامة لقطاعات التعليم والصحة والزراعة والصناعة والقطاعات الخدمية.
وأشار بوب إلى أنّ وضع الجامعات المأزوم جعل إدارات الجامعات تتّجه لزيادة الرسوم وإلقاء العبء على الطلاب, ولكنها تظل رسوماً غير مُبرّرة ويُمكن أن تؤدي إلى أن يترك كثير من الطلاب قاعات الدرس.
وشدد الخبير الاقتصادي بروفيسور بوب, على ضرورة إعادة النظر في مُخصّصات القطاعات الإنتاجية والخدمية والصحة والتعليم في الميزانية العامة وزيادة حصتها مع ضغط الإنفاق الحكومي وتقليله في قطاعات أخرى.
تغطية التضخُّم
وفي ذات الصعيد, قال الخبير القانوني د. ناجي مصطفى, إن السبب في زيادة رسوم التسجيل ناتجٌ عن الانهيار الاقتصادي العام في الدولة وهذا يؤدي إلى ارتفاع تكلفة التعليم نفسه وأصبحت مدخلات التعليم غالية جداً وتكلفة المباني والإيجارات، وارتفاع مستوى الأرباح المطلوبة لتغطية التضخم سواء كانت جامعة حكومية أو خاصة, وارجع ذلك إلى أن التضخُّم يُقلِّل من رؤوس الأموال.
وأضاف أنّ السلوك الاقتصادي له أثرٌ كبيرٌ في مسألة زيادة رسوم التسجيل بالجامعات, والتعليم أصبح رفاهية ومنافسة ومطلباً تجارياً، وفي السودان ظهرت الطبقية وأصبح التعليم للأغنياء والمُقتدرين وهذا برنامج النظام العالمي الذي يتبناه البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والذي وقّع عليه السودان, وهذا البروتوكول الاقتصادي المتعارف عليه (يتعلم القادرون، ويأكل القادرون, ويسكن القادرون, أما بقية الناس فليس من الشعب)!!
أرباح غير مُعلنة
وأضاف بوب: الجامعات أصبحت تنتهج حيلاً لمُقابلة مُعالجة التكلفة, منها رفع رسوم التسجيل لأنها غير قابلة للتخفيض عكس الرسوم الدراسية التي يمكن تخفيضها بوجود قانون يضغط الجامعات, وزاد قائلاً: رسوم التسجيل لا تظهر في الرسوم الدراسية الموجودة في الدليل وبالتالي تبقى أرباحاً غير مُعلنة, ولذلك تتنافس الجامعات في زيادة رسوم التسجيل لأنها لا تُخضع للضريبة, ونوه الى إشكالٍ مُهمٍ وهو جودة التعليم, وقال: بعد كل هذه الحِيل لرفع تكلفة التعليم نجد أن جودة التعليم متدنية ووصل التعليم مرحلة الخطورة, والسودان خرج من المؤشر العالمي لجودة التعليم وهذه القضية مسكوت عنها, وأصبح السودان خارج المنافسة العالمية في جودة التعليم!
أما بالنسبة للغرامات التي تفرضها بعض الكليات الخاصة بسبب عدم سداد الطالب للرسوم في الموعد الذي تحدده إدارة الكلية, قال: نعم يمكن فرض غرامة بشرط أن تكون منصوصاً عليها في لائحة الجامعة الحاكمة للقبول والتسجيل والشؤون المالية.
وأكد أن رسوم الاستقالة غير قانونية وتُخالف لوائح التعليم العالي!
بنودٌ جديدةٌ
أما المحاضر بجامعة أم درمان الإسلامية الدكتور عمر البلولة فأكّد أنّ زيادة رسوم التسجيل ورسوم الدراسية تتم بمُوافقة وزارة التعليم العالي منذ شهر يناير ٢٠٢١ بإضافة بندين من الميزانية هما بند المشروعات وبند التسيير, وقال إنّ الجامعات أصبحت تعتمد اعتماداً كلياً على رسوم الطلاب (رسوم تسجيل, رسوم ملاحق, رسوم شهادات وغيرها من الرسوم الإضافية), وذكر أنّ الجامعات أضحت تدفع ٢٥٪ في من مرتبات العاملين وفي السابق كانت المرتبات تأتي من وزارة التعليم العالي, إضافةً إلى الغلاء والتضخُّم الذي ضرب البلاد, وأوضح ان الجامعات ولأنها تفتقد للموارد فإنها تلجأ لفرض مزيدٍ من الرسوم على الطلاب, وطالب إدارات الجامعات بالجلوس مع مجلس الوزراء أو المجلس السيادي لحل هذه المشكلة.
وأضاف بأنّ زيادة الرسوم تضعها الجامعة حسب ميزانيتها وحاجتها, واختتم حديثه بقوله: إنّ رسوم التسجيل والشهادات تحدِّدها إدارة الجامعة وليست الوزارة.
تحقيق: مثاني أشقر
صحيفة الصيحة