منى أبو زيد تكتب : الحُكم في زَمن الكُورونا..!
أخشى ما أخشاه أن يأتي اليوم الذي تصبح فيه الخيانة وجهة نظر”.. صلاح خلف..!
أشكر الأصدقاء والقراء الكرام الذين افتقدوني وتفقدوا حالي إثر وعكة الكورونا متوسطة الشدة، واعتذر عن الغياب طيلة الشهر الماضي الذي كان عصيباً بحق، على الصعيدين السياسي والصحي. ولا يزال هذا السودان يكابد أدواء السياسة من جهة ووباء الكورونا من جهة أخرى، ولا يزال – حتى الآن – ليس بخير ..!
الإصابات بمرض الكورونا في ازدياد لا يطمئن، وهموم الانتقال الديمقراطي تحوّلت إلى “كوارث انتقال” جراء الصراع المُرَكَّب وسياسة الرفض المتبادل، وإشكالية الأبلسة والشيطنة والإقصاء التي تزكيها مزايدات أقطاب الحكم وتزيد طينها بلةً أوهام النخب السياسية، وكل هذه صور قاتمة باعثة على الإحباط، ومواقف غير مسؤولة كادت تداعياتها أن تعصف بأول وأولى الأهداف التي اندلعت لأجلها ثورة شعب ما عاد يملك زمامها بعد أن تكالبت عليها أطماع الساسة الذين أنساهم الصراع على الكراسي أن هنالك شعباً من أساسه..!
شعب معظمه يعلم أن هذا الصراع مُرَكَّب وأن هذه الأزمة السياسية حتى وإن كانت تبدو في ظاهرها شأناً داخلياً فإنها ليست محنةً سودانية خالصة، بل هي صراع بين مكوني الحكومة من جهة, وبين أقطاب خارجية اختارت بلادنا كأرض مناسبة لصراعها على الغلبة والسيادة من جهةٍ أخرى..!
الخطير حقاً ليس تواطؤ بعض الأضداد على الأطماع والخراب، لأن هذا النهج ليس مُدهشاً وليس جديداً على هذا العالم، فدوماً هنالك مشاريع تنتهج التطفل على سيادة الدول وحريات الشعوب – مشاريع – تبدأ عادةً بالادعاءات الرنانة والبدايات اللطيفة الداعمة لطرف على حساب الآخر، ثم تنتهي بعكس ما بدأت به. لكن الجديد المُخيف حقاً هو موقف الذين يحكموننا ويتحكّمون بشؤوننا من بعض صور التدخل السافر في أخص ما يخص بلادنا وأدق ما يُحيط بشعبنا. المُخيف حقاً هو أن تنتهي ثورة السودانيين العظيمة إلى سودان مُنتهك ومبذول كلقمةٍ سائغة في أفواه أجنبية..!
لذا لا تُصدِّق أبداً أصحاب المواقف الاستراتيجية المتسربلة بالمباديء الإنسانية، الذين يدعون امتلاك مفاتيح الحلول لمشكلات بلادك، فهؤلاء لا يقيمون وزناً لقيمة الإنسان الأدنى في عالمك الثالث. المبادئ الإنسانية عندهم هباء وخواء وغبار تذروه الرياح في موازين السياسة ومكاييل الاقتصاد، وليس صحيحاً أن العالم الأول المتحضر يأبه لعذابات المنكوبين ويبذل ما في وسعه لحلها حباً بالله. وإن شئت دليلاً فتأمل في تاريخ تواطؤ الأضداد على القتل والخراب في العراق – وما بعدها – من أجل برميل بترول..!
التدخل في شؤون بلادنا هو أحد آفات هذه الشراكة الانتقالية – الملغومة – التي يُراقب كلا طرفيها أفعال الآخر تحت شجرة ظن. بينما لا مجال للتفكير في الراهن السياسي بعقلية نخوبية أحادية، ثم أنه لا بُدّ من إعادة النظر في أمر بعض الشعارات الممجوجة التي خذلت – أول ما خذلت – دعاتها أنفسهم، وانطفأ بريقها ولم تعد تعني شيئاً لأجيال جديدة فقدت ثقتها بنزاهة هؤلاء وجدوى أولئك..!
إن لم يكن الحال كذلك فقل لي بالله عليك ماذا ننتظر – أنت وأنا وهي وهو – من شراكة حكم انتقالي لا يؤمن طرفاها بالشراكة، ومنهجية قيادية أثبتت النوازل والخسائر الوطنية فداحة أخطائها؟. لا شيء يذكر، ولم يبق لنا إذن – والحال كذلك – إلا أن نحرس هذا الفشل، وأن نُحافظ عليه سُودانياً خالصاً، بعيداً عن غزوات الآخرين. أليس كذلك..؟!
صحيفة الصيحة