رأي ومقالات

البيقاوي: الحاجة لخطاب يضم الشباب للجيش والأحزاب في السودان

تلبدت سماء السياسة السودانية بغيوم كثيفة من الصراعات المعقدة منذ إندلاع ثورة ديسمبر 201‪9م فعرقلت مسيرة التغيير المنشود وأفرغت الشعارات الحية التي حركت الشعب من مضامينها .وبرزت إختلافات في الخطاب العام بسبب إزدواج المعايير والإصرار على تعريفها حسب المصلحة الخاصة لكل طرف مع عدم الإلتزام بالمرجعيات والإجراءات القانونية.

كان المأمول ان يكون الشعب وقياداته قد وعوا الدروس المفيدة من التجارب السساسية المتكررة لجعل ثورة ديسمبر آخر الثورات والاتفاق على نظام الحكم المدني واعتماد التحول الديمقراطي كوسيلة مشروعة لحيازة السلطة وجعل القانون هو الفيصل وتحقيق شعارات الثورة الخالدة (حرية سلام وعدالة) والتي لا تختلف عليها حتي المعارضة التقليدية او ما يسمى بالدولة العميقة.

بعد احتدام تلك الصراعات والمفاصلة التي وقعت بين شريكي السلطة الإنتقالية او المكونين العسكري والمدني فقد نشأ واقع جديد بعد ما يسمى بتصحيح المسار والاتفاق السياسي بتاريخ 21/11/2021‪ وبرغم استمرار تلك الصراعات في التعقد بتلاحظ بروز ثلاث تيارات عامة يمكن تتشكل منها السياسية إذا قدر للوطن ان يستقر ويستمر في التحول الديمقراطي نحو الحكم المدني:
1- قوي تصحيح المسار (ق ت م).
2- الاحزاب السياسية.
3- قوي الشباب ولجان المقاومة (ق ش ل م).

التيار الأول (ق ت ح) ممسك بالسلطة وزمام الأمور حاليا يتمثل في القوات النظامية بكافة أشكالها ومجموعة الميثاق من قحت والادارة الأهلية والطرق الصوفية والكتلة الصامتة من الشعب السوداني ومن غير المستبعد ان تجد (ق ت ح) الدعم الضمني او المعارضة الراشدة من الدولة العميقة التي شكلتها مسبقا المعارضة الأساسية للثورة او النظام السابق. وكذلك القوي السياسية التي صنفت جزافا ضمن الفلول.
هذا التيار الذي امسك بتلابيب السلطة يمتلك أقوى الحجج للاستمرار خلال الفترة الإنتقالية الحالية وقد اعلن استعداده لتسليم السلطة لحكومة منتخبة وعدم تسليمها لأي جهة غير مفوضة من قبل الشعب. هذا التيار افلح في ضم دكتور حمدوك رئيس الوزراء المقبول أمميا وغربيا وإقليميا ومحليا. ويمكن لهذا التيار إذا وفق في تكوين حكومة كفاءات وطنية مقبولة نسبيا ان يكون حاضنة أغلبية معتبرة تؤمن مسار الفترة الإنتقالية من تهديدات الشارع الحالية.
ولكن يحتاج هذا التيار للتعاون مع الاحزاب السياسية كآليات معتمدة لخوض الإنتخابات وصناعة حكومة مدنية عبر صناديق الإقتراع وذلك لكي تستلم منه السلطة ولا شك أن عدم تعاونها في هذا الصدد سيعقد المشهد تماما.

التيار الثاني هو الاحزاب السياسية بصورة والتي تشكل المكون المدني بصفة عامة والتي ينتظر منها قيادة الحياة ونظام الحكم المدني في المستقبل. تبدو الاحزاب العريقة في المشهد السياسي وكانها غير واثقة من قدراتها في خوض الإنتخابات وتتعامل مع (ق ت م) وقيادتها المتمثلة في الجيش بشيء من عدم الثقة لعدة اسباب من بينها ضرورة التعامل مع الشارع الروافض ل ( ق ت م) رغم قناعتتها التامة بحتميتها وواهميتها في المحافظة على الوطن. أما الاحزاب الناشئة والصغيرة فهي أيضا تخشي الإنتخابات وهي طور يفاعتها. ثمة امر آخر مهم وهو عدم استعداد كافة الاحزاب بعرقها وحديثها للانتخابات بإعداد برامجها وعرضها على الجماهير.
ولا شك أن الاحزاب تحتاج للاصوات في صناديق الإقتراع وبالتالي فهي في حاجة ماسة للتواصل بخطاب جديد مع الشباب الثائر في الشارع وإقناعهم بأنها تستطيع بخبراتها السياسية العتيقة صياغة أحلامهم المشروعة في شكل برامج ومشاريع مثمرة في الدولة المدنية المنشودة.

التيار الثالث هو قوي الشباب ولجان المقاومة (ق ش ل م) وهو تيار يشمل عامة الشباب المستقلين المنظمين والغير منظمين وكذلك لجان المقاومة التي قد تكون ازرع او واجهات لبعض الاحزاب.
تتبنى بعض لجان المقاومة شعارات اقصائية صفرية الحلول من شاكلة لا تفاوض لا حوار ولا مشاركة وهي ذات الشعارات التي ترفعها بعض الاحزاب اليسارية التي تعارض (ق ت م). المعضلة الرئيسية أمام (ق ش ل م) انها لا تستطيع المضي قدما في المقاومة الباهظة الثمن وتحويل خياراتها الي نظام حكم مالم تتنظم في شكل حزب كبير يخوض الإنتخابات منفردا او ينضم الي الاحزاب بإعتبارها الكيانات المعتمدة لخوض الإنتخابات.
التيار الثالث (ق ش ل م) مطالب بتقديم إفادة حول القوات النظامية المسلحة البديلة التي ستكونها لحماية البلد بدلا عن القوات النظامية الحالية التي عملية تصحيح المسار في الوقت الراهن.

الخلاصة هي أن قوي تصحيح المسار (ق ت م) تحتاج للتعاون مع الاحزاب لضمان قيام الإنتخابات وتسليم السلطة لحكومة مدنية منتخبة. وتحتاج الاحزاب لاصوات قوي الشباب ولجان المقاومة (ق ش ل م) في العملية الانتخابية لتحقيق الانتصار. وتحتاج قوي الشباب ولجان المقاومة (ق ش ل م) حتى لو كانت تشكل أغلبية للتنظيم او الإنضمام لاحزاب للتمكن من خوض الإنتخابات وتحويل الشعارات الي واقع. ولا شك انها تحتاج ل (ق ت م) بالتفاهم وليس بالتصادم في مرحلة التسليم والتسلم للسلطة.

هذا الواقع يؤكد على ضرورة نشوء خطاب جديد بين هذه التيارات الثلاث يعتمد على الحوار الصريح المفتوح الذي يراعي مصالح الوطن والقبول بالتنازلات للسماح بإقامة تسويات سياسية تشمل كافة القوي السياسية بما فيها المؤتمر الوطني الحركة الاسلامية للوصول إلى حكومة مدنية منتخبة ومعارضة وطنية راشدة تحكم البلد مستقبلا.

ولذلك فإن اي حديث عن تطوير للاتفاق السياسي المبرم يوم 21/11/2021‪ يفترض ان يجد الترحيب الحار من الجميع خصوصا وان الآراء الحادة للمجتمع الدولي قد تم تحييدها واصبحت المشكلة وطنية بحتة. ويرجي ان تنجح الوساطة الوطنية التي أنجزت الإتفاق السياسي بين البرهان وحمدوك في استكمال مساعيها لإصلاح المناخ السياسي السوداني بتطوير الإتفاق السياسي ليضم الاحزاب السياسية التي لديها مرونة وحتى لجان المقاومة والشباب المستقلين. .

كتب إبراهيم عيسى البيقاوي
Ibrahim.eisa1958@gmail.com