شطب طلب لجنة تفكيك التمكين بفحص الحكم القضائي حول قرارها بإنهاء خدمة بعض المستشارين في وزارة العدل
شطب طلب لجنة تفكيك التمكين بفحص الحكم القضائي حول قرارها بإنهاء خدمة بعض المستشارين في وزارة العدل، والأسس التي انبنى عليها
أصدرت الدائرة القضائية المختصة بنظر الطعون ضد قرارات لجنة الاستئنافات، حكمها بالإجماع في طلب الفحص الذي تقدمت به لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989، على الحكم القضائي الذي صدر ببطلان قرار اللجنة بإنهاء خدمة بعض المستشارين في وزارة العدل، ونظرت طلب الفحص دائرة مكونة من ثلاثة قضاة خلاف الذين أصدروا الحكم الأصلي، خلصت إلى شطب الطلب المقدم من لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو. ومن ناحية قانونية فقد جعل هذا الحكم أي محاولة لإحياء قرار اللجنة الذي أنهى خدمة بعض مستشاري وزارة العدل أمراً في حكم المستحيل. ذلك أن التشريعات المنظمة جعلت حكم الدائرة القضائية نهائياً ومن ثم انتصر الحكم بالفحص لحكم الدائرة الأصلي مما يضيق من إمكانية إلغائه أو تعديله. وقد تصدى الحكم للأسباب التي اثارتها لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو، واعترضت بموجبها على حكم الدائرة، وقيمها تقييماً قانونياً، ومن ثم خلص إلى عدم صحتها.
رد حكم المحكمة على ما أثارته لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو من أنه لا يجوز للدائرة القضائية النظر في الاستئنافات بحجة أنه يخالف أمر تأسيسها الذي منحها صلاحية النظر في القرارات الصادرة عن لجنة الاستئنافات ولم يسمح لها بالنظر في قرارات لجنة نظام الثلاثين من يونيو مباشرة. وقد أيد الحكم ما ذهبت إليه المحكمة من أن القرار الصادر عن لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو بأنه قرار إداري ومن ثم أخضعته لقواعد القانون الإداري، التي توجب على لجنة الاستئنافات إصدار قرارها في التظلم خلال ثلاثين يوماً من تاريخ التظلم لديها، وذهبت المحكمة إلى (أنه كان لزاماً على لجنة الاستئنافات أن تصدر قرارها. وكونها لم تكتمل أو تعذر ميلادها فذلك عيب إدارة لا يتحمله الشخص المضرور أو السير الطبيعي للقانون. وخاصة أن حق التقاضي حق مكفول للكافة وهو حق دستوري ولا توجد أي حصانة لأي عمل أو قرار من رقابة القضاء). وبهذا أكدت المحكمة على المبدأ القانوني العادل هو عدم تعسف جهة الإدارة بالامتناع عن إصدار القرار وتحميل فشلها في ذلك إلى من صدرت القرارات الإدارية بحقهم.
تصدت المحكمة إلى مسألة القانون الواجب التطبيق على الأجهزة العدلية وقررت أنه قانون مفوضية إصلاح المنظومة الحقوقية والعدلية لسنة 2020 وليس قانون تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989، باعتبار أن قانون إصلاح المنظومة الحقوقية والعدلية هو قانون خاص وأنه صدر لاحقاً لقانون لجنة تفكيك التمكين. فالقاعدة المستقرة في قانون تفسير القوانين أن القانون الخاص يقيد العام. ومن ثم فإن تطبيق قانون تفكيك نظام الثلاثين على الأجهزة العدلية يعد مخالفة قانونية ويهدر القرارات التي صدرت بموجبه.
عابت المحكمة على قرار لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو عدم تسبيب قرارات إنهاء الخدمة، وكان عليها أن تراعي حقوق الأفراد وأن تصدر قراراتها بتجرد وبناء على أسباب مرئية. فالشخص الذي يواجه قراراً إدارياً يود معرفة أسباب القرار للطعن فيه ولا يمكنه الطعن فيه دون معرفة أسباب. كما أن التسبيب يعصم من السؤال عن الباعث لإصدار القرار وهو أمر واجب للتأكد من عدم إساءة استعمال السلطة.
حملت المحكمة على لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو بأنها لم تكن عابئة باحترام قواعد العدل الطبيعي والقانوني بسماع الشخص قبل إصدار قرارها بحقه، واستفاضت المحكمة في التأكيد على قاعدة السماع قبل إصدار القرار. فمما أوردته ((يلقى السماع هذه الأهمية لأنه العنصر الذي تنبني عليه المحاكمة العادلة لإصدار القرارات العادلة. وحق السماع من الحقوق الأساسية لأنه حق الشخص في أن يدافع عن نفسه وليس أشد ظلماً على الإنسان من أن يقضى في حقه دون السماح له بالدفاع عن نفسه. فقد يبدي من الأسباب ما يمنع صدور قرار أو حكم عليه وأن حق السماع من أهم الضمانات التي تقررها المحكمة الإدارية العليا للموظف العام).
مما أثارته لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو أن القضاة أعضاء الدائرة كان لهم رأي مسبق حول القانون وكان عليهم التنحي عن نظر الطعن لشبهة المصلحة. وقد ردت المحكمة على هذا السبب بأن قانون الإجراءات المدنية لسنة 1983 وتعديلاته نص على حالات التنحي وهي إذا كان القاضي (زوجاً لأحد الخصوم أو صهراً أو قريباً من الدرجة الأولى أو الثانية، أو كانت لديه عداوة أو خصومة لأحد الخصوم) ولا يعد رأي القاضي المسبق في القانون سبباً لتنحيه.
والحق أن هذا السبب الذي أثارته اللجنة ليس له سند فقد كان كثير من القضاة المميزين يبدون أراءهم في معايب اشتملت عليها تشريعات أساسية مثل القوانين العقابية والاجرائية والتجارية لكن ذلك لم يمنعهم من تطبيقها كما هي. فليس مطلوباً من القاضي أن لا يكون له رأي مسبق بالتشريع حتى يحق له تطبيقه.
أما عن السبب الذي أثارته اللجنة بأن الحكم الذي صدر عن الدائرة ممهور بتوقيع رئيس الدائرة فقط، فقد فندته المحكمة على أساس أن المادة (105) من قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1983 وتعديلاته، أجازت في حالة قيام سبب يمنع أو يعطل رئيس الدائرة من التوقيع على الحكم على نحو ضار بالعدالة أو بمصالح الخصوم جاز أن يوقع عليها رئيس المحكمة أو من ينوب عنه. ولم يشترط القانون طباعة الحكم والتوقيع عليه من رئيس الدائرة وأعضاء الدائرة. وقد قام القاضي عوض بلال صاحب الرأي الثالث بالتوقيع على المسودة بتاريخ 24 سبتمبر 2021 وتبقى الأمر النهائي بواسطة رئيس المحكمة د. محمد علي أبو سبيحة والذي قام بكتابة الأمر النهائي في 27 سبتمبر 2021 . كما أن قرار إعفاء القاضيين أعضاء الدائرة صدر في 26 سبتمبر 2021 بعد صدور الحكم بالآراء الثلاثة قبل إعفائهما من الخدمة، وقد وقع رئيس المحكمة بالإنابة عنهما استنادا لنصوص القانون المذكور والانابة لا تقدح في الحكم.
يعد هذا الحكم تقييماً حقيقياً لأداء لجنة تفكيك التمكين ولجوانب الفشل التي لازمت عملها ومن بينها تغييب لجنة الاستئنافات وهذا أحد السلبيات التي تحسب على السلطة الحاكمة خلال الفترة الانتقالية وليس لجنة تفكيك تمكين نظام الثلاثين من يونيو، إلا أن ضرره بالطبع قد طال أعمال اللجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو. كما أنه لم يتوفر للجنة لائحة إجرائية واضحة ومعتمدة تتعلق بالتحري والتحقيق والسماع وفحص البينات وإصدار القرارات وإخطار ذوي الشأن بها، وهذا عيب كبير أضر بالحقوق الطبيعية لمن صدرت قرارات بحقهم من اللجنة.
نكلت الإجراءات التي صدرت في 25 أكتوبر بلجنة تفكيك تمكين نظام الثلاثين من يونيو فقد تم تجميد أعمالها، وقد نص الاتفاق السياسي الموقع بين القائد العام للقوات المسلحة ورئيس الوزراء على ضرورة إعادة هيكلتها ومراجعة أدائها في الفترة السابقة، ورفدها بالكوادر المؤهلة في التخصصات والخبرات اللازمة التي تمكنها من أداء عملها بصورة ناجـزة وعادلة مع تفعيل لجنة الاستئنافات ومراجعة قراراتها وفقا لدرجات التقاضي المقررة قانونا، ويعتمد مدى الجدية في تفكيك التمكين على وضع صدق النية في تفكيك التمكين في المحك، واتخاذ إجراءات جدية تؤدي إلى تفكيك التمكين وفق أسس قانونية عادلة، ومحاسبة المتورطين واسترداد الأموال المنهوبة.
أبوذر الغفاري بشير عبد الحبيب