الطاهر ساتي

الطاهر ساتي يكتب.. إنتاج المراثي ..!!


:: لا يتعافى الاقتصاد وينهض ما لم يتم تحسين بيئته، ومن تحسين البيئة الكف عن ( الثرثرة) والتصريحات التي تُعكر صفو الأسواق والمستثمرين، ويبدو أن وزير المالية مصاب بداء (الثرثرة) والتصريحات السالبة.. فالشاهد، لم يعد يمر اليوم – في حياة الناس – إلا ويكون خلاله قد تباكى جبريل إبراهيم لوسيلة إعلام عن حال البلد، وكأن وظيفته هي إنتاج و تصدير (المراثي)، وليس موارد السودان.. رجل الدولة يختلف عن عامة الناس بخاصية ابتكار الحلول، بدلاً عن الشكاوى التي ليست بحاجة إلى (كفاءة)..!!

:: وعلى كل، قبل عام، كان رئيس الوزراء قد شرع في تنفيذ ما أسماه بالبرنامج الخماسي.. لم يفصح حمدوك عن تفاصيل البرنامج الخماسي، ولكن تحدث عن خمس قضايا تم التوافق عليها كإطار عام للبرنامج، وهي قضية الاقتصاد، استحقاقات سلام جوبا مع الانتقال للمرحلة الثانية من السلام مع عبد العزيز الحلو وعبد الواحد محمد نور، والعلاقات الخارجية المتوازنة بالوقوف على مسافة واحدة من كل دول العالم، تحقيق العدالة الشاملة والانتقالية، ثم إصلاح مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية..!!

:: ومن ملامح ذاك البرنامج الاقتصادي هو حديث رئيس الوزراء – ووزير المالية أيضاً – عن الاقتصاد الحر والاستثمار والإنتاج، وليس (الشحدة) والاعتماد على المنح والقروض.. وقد لا يعلم جبريل بأن التردي الراهن الذي قادنا إليه وزير المالية السابق إبراهيم البدوي كان متوقعاً بعد رهانه في ميزانية الدولة على (المِنح والهبات)، ثم تفاجأ بعودة حكومته من مؤتمر المانحين بالوعود والكلام المعسول والدعوات الطيبات.. لم يُراهن البدوي على الإنتاج، ولم يتحدث يوماً عن الاستثمار..!!

:: وكأن ما عليه ما كان حال الاقتصاد قبل الثورة لا يكفي تضخماً، قادت سياسة البدوي، الحكومة إلى (الفخ الأكبر)، وهو زيادة رواتب العاملين بنسبة (569%).. وغير البدوي لا يعلم أحدٌ ما هي معايير تلك الزيادة؟، وأين ومتى وكيف تمت الدراسة؟، وما هي مواردها؟، فالبدوي قرر الزيادة وحده، لأن الحاضنة السياسية لحكومته المحلولة لم تكن تملك من خطط البناء والتنمية غير تنمية (قسمة الكيكة).. ومن الخطأ أن يقتدي جبريل بالبدوي، ويراهن على الخارج ويصدر له المراثي..!!

:: انتظار العرب والعجم لن يكون مجدياً لبلاد عانت من فساد المفسدين وفشل الفاشلين لحد العجز عن توفير وقود الشهر وقوت العام والأدوية المنقذة للحياة إلا بذل المنح والقروض.. وبدلاً عن إهدار الوقت والطاقة في انتظار مساعدات العرب وابتزاز العجم، يجب التفكير في الإنتاج وترشيد الصرف.. فالمعيار الذي جاء بالدكتور عبد الله حمدوك رئيساً لحكومة وزراء ما بعد الثورة هو ذات المعيار الذي كاد يأتي به وزيراً لمالية حكومة ما قبل الثورة، أي معيار الكفاءة الاقتصادية..!!

:: لقد تحرر البرهان وحمدوك من قيود قوى الحرية، وليس هناك ما يمنعهما عن تشكيل وقيادة حكومة منتجة وليست متسولة.. فالبلاد يشقها النيل من أقصاها إلى أقصاها، وتغرقها الأمطار في الخريف، وأرضها الخصبة على مد البصر، ومعادنها محشوة في جوف جبالها وباطن أرضها، وثروتها الحيوانية تُعد بالملايين، وغاباتها تزاحم أشجارها بعضها، ومشاريعها تتوسد شواطئ أنهارها، وإنسانها القادر على العطاء إما مغترب بالخارج أم متغرب في بلاده، ليبقى السؤال: ما الذي ينقص هذي البلاد بحيث لا تكون يد وزير ماليتها هي السفلى..؟؟

صحيفة اليوم التالي