صلاح الدين عووضة يكتب : الغربال !!
وليس غربال الهلال..
والذي حتى الفرصة الوحيدة التي لاحت لمنتخبنا ليحرز منها هدفاً شرفياً أضاعها..
وذلك في بطولة كأس العرب بقطر..
كما لا نعني غربال المثل النسوي القائل (يا مآمنة للرجال يا مآمنة للمية في الغربال)..
ورغم ذلك ما من امرأة ترضى العيش بلا غربال..
أقصد بلا رجل؛ وعلى كلٍّ فهو مثل لا يستقيم – منطقاً – مع آخر من تلقائهن..
وهو القائل (ضل راجل ولا ضل حيط)..
المهم؛ الغربال الذي نعنيه هنا اليوم هو الذي يتساقط من فتحاته أناس في حياتنا..
وذلك خلال رحلتنا في الحياة؛ طويلةً كانت أم قصيرة..
رحلة ذات محطات يترجل منها أناسٌ… ويبقى عندها أناسٌ… ويغادرها معه أناس..
تماماً كمحطات القطار… أو الباخرة… أو البص..
محطات بمثابة المصفاة التي تميز له الخبيث من الطيب ممن يعاشرهم من بشر..
أو ممن تدفع بهم الأقدار في طريقه..
أو تدفعه هو في طريقهم؛ طريق دراسة كان… أو عمل… أو نضال… أو مساكنة..
أو حتى دروب رحلات عابرة..
محطات تكشف له معادن الذين يشاركونه – ويشاركهم – رحلة المسير… والمصير..
وعند كل محطة يسقط البعض من فتحات الغربال..
ولولا هذه النعمة التي ظاهرها النقمة لظل المرء مخدوعاً في الكثيرين ممن حوله..
حتى من بين صحبه… وعشيرته… وأهله… وحتى أخوته..
بل وقد يُفاجأ بأن طول المسير – المشترك – محص له من هو أكثر من شقيق..
فيكون ذلك مصداقاً لمقولة (رب أخٍ لك لم تلده أمك)..
وعلى صعيد تجربة المسير الشخصية أضرب مثلاً برفيق مسيرٍ طويل هو وراق..
فهو منذ أن عرفته لم يتبدّل… ولم يتغيّر… ولم يتلوّن..
سواء مع نفسه… أو مصيره… أو مسيره… أو ضميره؛ فهو صادقٌ في كل الأحوال..
وأمثاله قليلون… ممن يواصلون معك بقية المسير..
ولا يسقطهم الغربال؛ ولو كانت في فتحاته انفراجات كانفراجة قدم غربال الهلال..
وذلك حين صوب ركلة الجزاء تلك… فأهدرها..
والبارحة اشتكى لي أحدهم – في مشفىً ما – مر الشكوى… ثم انتحب باكياً بحرقة..
اشتكى من كثرة من تساقطوا من فتحات غرباله..
سيما عند محطة من محطات مسيرة حياته كان أحوج ما يكون فيها للصادقين..
اشتكى من تساقط جل من كانوا يظهرون له الود..
من كانوا يتمثلون له برائعة (الدوش ـ وردي) طوال ما مضى من رحلة مسيرهم:
زمان كنا بنشيل الود..
ندي الود..
وفي عينينا كان يكبر حناناً زاد..
وفات الحد..
ثم (فاتوا الحد) في التنكر له حين (فارقه) مركزه؛ و(استقبلته) مراكز الصحة..
وتعلم من الأيام – مع الاعتذار للشاعر – مصيره..
تعلم (يا دوبك) أنه ركن للأيام – والناس – ولم يُحسن استعمال غرباله سنين عددا..
تعلم أهم درس له في الحياة..
من بعد أن لم يبق له كثيرٌ في رحلة الحياة..
من بعد تجاوزه محطات كثيرة حوت الدروس نفسها… ولكنه لم يلق لها بالا..
أو كان يكذب قلبه… وحدسه… وضميره..
وعجبت لعجبه… ودهشت لدهشته… وحرت لحيرته… ورغم ذلك كدت أبكي لبكائه..
فكيف لإنسان لا يعرف درس الغربلة إلى أن بلغ العمر هذا؟..
ثم تذكرت أنني نفسي ما زلت أتعلم..
أتعلم – إلى يومنا هذا – من الأيام مسيري؛ وقطار عمري أرهقه طول المسير..
وأتعلم – كذلك – من نحس مصيري..
ودرس غربالي!!.
صحيفة الصيحة