منى أبوزيد تكتب : في الفجوة الدوائية..!
“من الغباء أن تفعل نفس الشيء بنفس الأسلوب والخطوات ثم تتوقّع نتائج مختلفة”.. آينشتاين..!
في العام الماضي عندما تكاثرت أخبار تفاقُم أزمة الدواء بالتزامُن مع أخبار إقالة وزير الصحة السابق د. “أكرم التوم”, كتبت مقالاً بعنوان “أزمة الدواء.. بعيداً عن الإقالة وقريباً من الشح القادم”، نُشر بتاريخ الرابع عشر من مايو العام 2020م، قلت فيه بالآتي: “في عهد حكومة الإنقاذ كان تجار الدواء يحصلون على عشرة في المائة من حصيلة الصادر “من غير الذهب” لاستيراد الدواء – أو مواده الخام – من الخارج، وبطبيعة الحال كان الفساد هو سيد الموقف، لذا كان بعض التجار يستغلون التسهيلات الحكومية للحصول على العملة الصعبة دون صفقات حقيقية لشراء الدواء..!
الحكومة الحالية كانت قد وعدت التجار والمُصنِّعين بالمضي قدماً على ذات النهج السابق، لكنها ولأسباب تخصها لم تتمكن من الالتزام بتنفيذ ما وعدت به “منح التجار نسبة العشرة بالمائة من قيمة الصادر”، وهكذا أصبح التجار يشترون أدوية من السوق الأسود ويضعون لها أسعاراً باهظة، الأمر الذي تسبّب في تفاقم ارتفاع الأسعار..!
وهكذا أصبح الوضع قاتماً على النحو الآتي: المجلس القومي للأدوية والسموم يطالب التجار بتسعيرة معقولة والتجار غير قادرين على الوقوع في الخسارة بسبب تفاقُم سعر الدولار في السوق الأسود، فأصبحت تسعيرة الدواء مشكلة بحد ذاتها، وبالتالي صار هنالك شُحٌ في الدواء المستورد، أما الدواء المحلي – فلأنّ شراء مواده الخام يكون أيضًا بالدولار من خارج السودان – فقد سمح المجلس القومي للأدوية والسموم للتجار بتسعيرة مُعيّنة للمواد الخام بناءً على سعر الدولار بالسوق الأسود. وعليه فقد تضاعفت أسعار الدواء “بين ستين في المائة إلى مائة وخمسين في المائة”. وهنا طبيعي جداً أن يثور الرأي العام ولكن غير الطبيعي هو أن لا تكون الشفافية في الطرح والجدية في المُعالجة هي ردة الفعل – الراجحة – لتململ الناس وتذمر الشارع..!
بناءً على المذكور آنفاً صارت مصانع الدواء المحلية بين خيارين: إما أن تقوم بتسعير الدواء بناءً على مسرح العبث السوداني المسمى بالسوق الأسود, وإما أن تقفل أبوابها حتى لا تخسر “توقف مصنع أميفارما” – أكبر مصنع دواء في السودان – عن تصنيع الدواء وأعلن اعتذاره عن تصنيع الدواء وتوزيعه لأن السعر المفروض غير عادل..!
في الربع الأول من هذا العام تم استيراد دواء غير كافٍ للحاجة، وعندما تخلو المخازن – إن بقيت الحال على ما هي عليه – فسوف تخلو أرفف الصيدليات أيضاً. وهذه نتيجة حتمية ومنطقية، لأن الحكومة لا تجترح حلولاً جديدة ولا تستطيع – في ذات الوقت – أن تعمل بالسياسة القديمة. مربط الفرس – والخطورة في آنٍ معاً – أن الحكومة قد ركّزت على أن ترضي الشارع وأن تطمئن الرأي العام بإلغاء التسعيرة الجديدة حتى لا يتفاقم سعر الدواء، لكن النتيجة الراجحة لهذا الموقف هي أن المصانع ستتوقّف عن تصنيع الدواء، فضلاً عن تعثُّر الاستيراد..!
وهذا هو السبب في خروج لجنة الصيادلة ببيان استباقي – قبل أيّامٍ – تشرح فيه بعض المشروح أعلاه، وهو أيضاً أحد أسباب استقالة بعض المديرين في وزارة الصحة “هؤلاء المستقيلون قالوا بما معناه إن الحكومة لا تستشير أحداً بل تقوم بإصدار قرارات يرونها ارتجالية. النتيجة نفس لعنة الإنقاذ القديمة، الوقوع في فخ صناعة المكسب السياسي على حساب القرار التنفيذي السليم..!
المشكلة تكمن في عدم الجدية بشأن العمل على مراجعة سياسة تنفيذية لمنظومة حكم متكاملة، بينما الحل يَكمن في إعادة تقييم الوضع الماثل الآن، والعمل على تصحيح المسار بأعجل وأسرع وأيسر ما تيسّر”. انتهى نص المقال السابق..!
صحف الخرطوم الصادرة ليوم أمس الأحد نقلت تأكيد تجمع الصيادلة المهنيين لتفاقم انهيار الوضع الصحي – لذات الأسباب المذكورة أعلاه – ومطالبته الحكومة بإيجاد الحلول بانتهاج سياسات واضحة، ومعالجة مُشكلات الندرة الدوائية ومكافحة نشاط السوق الأسود الآخذ في التفاقُم بسبب ذات السياسة الحكومية التي أثبت تعاقب الأيام فشلها المُقيم. فهل يا تُرى من مُذَّكِر..؟!
صحيفة الصيحة