عضو اتحاد الصاغة والمعدنين جبريل عبد الله جمال: جهات مجهولة تدخل في بيع وشراء الذهب
أكثر من (50%) من الإنتاج لا يصل لمجمع الذهب بالخرطوم
(80%) من إنتاج الولايات الشمالية يهرب لمصر
قضية الذهب في البلاد تشابه المثل “أعيا الطبيب المداويا”، فكلما سنت الحكومة سياسة أو اتخذت قراراً في صالح أن تذهب موارد المعدن النفيس لصالح الخزينة العامة وتظهر عائداته الضخمة في خدمات المواطنين، أغلق قرار موازٍ آخر الطريق أمام إنعاش الاقتصاد عبر الذهب.. في هذا الحوار يسوق (جبريل عبد الله جمال) أمين مال اللجنة التحضيرية للاتحاد العام للصاغة والمعدنين أسباباً من واقع تجربته كمنتج ونقابي قديم في المجال يسوق عدداً من الأسباب التي تمثل عوائق أمام تدفق الذهب نحو مواعينه الأساسية، حيث يشير إلى أن فرض الرسوم الحكومية المتكاثرة على إنتاج المعدن انتعشت، بالمقابل عمليات التهريب، ويقدر تضاؤل نسبة الذهب الوارد لمجمع الذهب بالخرطوم بنسبة (50%) بسبب لجوء المنتجين لقنوات خارج الأطر الرسمية لبيع إنتاجهم وتفادياً للرسوم خاصة نسبة ألف جنيه في الجرام الواحد الذي فرضته الشركة السودانية للموارد المعدنية، عبر هذا الحوار يوضح جبريل الوضع الراهن لإنتاج وتجارة الذهب.
أولاً صف لنا راهن إنتاج وتجارة الذهب؟
لا يمكنني وصف واقع الذهب الآن، لأن هنالك جهاتٍ “مجهولة” تدخل في بيع وشراء الذهب وهي جهات في رأيي “تخريبية”، لأن ظهورها في السوق يكون فجأة لزيادة السعر، ثم ما تلبث أن تختفي لتعود مرة أخرى، لذلك ما يحدث في سوق الذهب غير قابل للمعاملة الاقتصادية والتجارية العادية التي تشابه أي سلعة في العرض والطلب.
الى أي مدى يمكن أن تؤثر تلك المعاملة على السوق والمنتجين والتجار؟
يمكن للمنتجين أن يحجموا عن البيع في هذه الحالة، أو بإمكانهم تحاشي البيع لتلك الجهات، لكن بالنسبة للتاجر الذي يقوم بالشراء بصورة يومية يتأثر بهبوط وارتفاع سعر الذهب، وبذلك يتعرض لخسائر فادحة.
ما هو دور الحكومة والجهات الرقابية في ذلك..؟
الحكومة وعبر جهاتها المختصة بالذهب تمثل مشكلة إضافية مع تلك الجهات التي ذكرتها لك، فهي من جانب الشركة السودانية للموارد المعدنية قامت بفرض رسوم معروفة بالألف جنيه “جنيه” على كل جرام، ومثلت تلك الرسوم – التي لا يعرف المنتجون أين تذهب – عائقاً كبيراً أمام انتعاش تجارة الذهب وإنتاجه وسوقه، وبالمقابل فتحت الباب امام عمليات تهريب حيث أن وحدات بيع في مدينة كسلا أصبحت تمثل بورصة أكبر من مجمع الذهب في الخرطوم، وتحدد السعر قبل المجمع أيضاً، وهي من قنوات التهريب المعروفة، فيما يذهب أكثر من (80%) من الذهب المنتج في الولايات الشمالية عبر التهريب لدولة مصر، أملاً في السعر المجزي، وتحاشياً للرسوم.
كم تبلغ قيمة الرسوم في مجملها على إنتاج الذهب..؟
قيمة الرسوم على الإنتاج من الذهب تصل لأكثر من (53%) وهي رسوم متنوعة تتوزع بين الشركة السودانية للموارد المعدنية والحكومة ممثلة في وزارة المالية والمحليات والولايات التي تشهد التعدين وبين عملية الإنتاج نفسها، حيث يتم تحصيل (10%) من ما يسميه المعدنون برسوم “الحجر” وتبلغ (10%)، و(10%) أخرى يتحصلها صاحب آلية الحفر، بينما تأخذ شركات المعالجة (33%)، ورغم ذلك فإن المنتجين راضين عن نسبتهم البالغة (47%) ما عدا التي تأخذها الشركة السودانية للمعادن التي تتسبب كما أسلفت لك في هروب المنتجين من البيع واللجوء للتهريب.
هل تأثرت بورصة الذهب الرئيسية في مجمع الذهب في الخرطوم بذلك؟
بالتأكيد، فمجمع الذهب “عمارة الذهب” التي تعتبر البورصة الرئيسية وأكبر مكان لتداول وبيع وشراء الذهب لم تعد عند رغبة المنتجين لبيع إنتاجهم، كما أن وصول الإنتاج للعمارة تضاءل بأكثر من (50%) بخلاف ما كان عليه في السابق حيث أن الإنتاج يصل برمته إلى العمارة للبيع والشراء، وهو موضوع من الخطورة بمكان أن يتم تداول وتهريب هذا المعدن المهم دون أن يكون تحت سلطة ويد القنوات الرسمية، وهي السبب في ذلك.
لكن جهة مثل محفظة السلع الاستراتيجية كانت تقوم بالشراء من المنتجين وتساعدهم؟
أعتقد أن المحفظة هي السبب الرئيس في فوضى الذهب وما يحدث الآن من تجاوزات، وسبق أن أخبرنا إدارتها بذلك إلا أنها لم تستمع لنا، فالمحفظة تقوم بشراء عشوائي وعبر شيكات ومن خارج السوق وبأي سعر، فضلاً عن أن الشراء يتم عبر مناديب مما يقود لخلق وسطاء وبالتالي ارتفاع سعر المعدن.
أليس من الأوفق للمنتج والتاجر في هذه الحالة اللجوء لتصدير الذهب..؟
الصادر متاح، لكنه يتسبب بخسائر فادحة خاصة بالنسبة للتجار، فالشراء يتم عبر سعر الدولار للسوق الموازي وهو أعلى من سعر البنك أو السعر الرسمي، كما أن هنالك عقبات كبيرة في عملية الصادر نفسها من الإجراءات العقيمة والمعقدة والوقت الذي تستهلكه حتى يتم التصديق للصادر، في رأينا الذي نقلناه لكل الجهات المختصة أن يتم إلغاء عدد من الرسوم وعلى رأسها رسوم “الألف” للشركة السودانية للمعادن، وأن تتم العودة لنظام استمارة البيع الذي يمنع التهريب بصورة نهائية.
أخيراً ما هي المعالجات التي ترونها في سبيل استقرار تجارة وإنتاج الذهب..؟
الحل سهل جداً بالنسبة للحكومة وهي أن تقوم بعمل نافذة واحدة للبيع بمجمع الذهب، حيث تتم عبرها السيطرة على عمليات البيع والشراء، وتكون متاحة للجميع، وبذلك يتم تلافي تعدد الأسعار وتذبذبها، وتحديد بورصة تعمل على البيع بالسعر العالمي، لكن للأسف ورغم كل تلك المطالبات خاصة النافذة التي ستعمل على حسم الفوضى في الذهب، إلا أن الحكومة لم تستمع، والذهب الآن يستفيد منه أشخاص محددين ليسو هم من المنتجين أو التجار وإنما وسطاء وسماسرة.
حوار: النذير دفع الله
صحيفة اليوم التالي