أزمة الدقيق .. والتهديد برفع الدعم !
قبل اندلاع ثورة ديسمبر المجيدة ظهرت أزمة “الخبز”، لكنها تفاقمت بشكل قاسٍ بعد الثورة، بل وتتزايد يوماً تلو الآخر رغم مساعي الحكومة في إيجاد حلول للحد من تفاقمها، ويبدو أن بتطبيق جزء من روشتة صندوق النقد الدولي ازدادت الأزمة، وبلغت ذروتها وأصبحت الحكومة تخرج رويداً رويداً من السوق أي بعد رفعها عن دعم الدقيق في الفترة الماضية، وسرعان ما أصبح “الخبز” المدعوم رغم شحه إلا أنه لا يصلح للتناول كثيراً، غير أن “الخبز” التجاري رغم ندرته في بعض الأحيان لكنه أصبح بعيداً عن متناول أصحاب الدخل المحدود، وبحسب آخر ما جاء على لسان وزير المالية والتخطيط الاقتصادي الذي بدوره وافق على رفع الدعم عن الدقيق في الخامس والعشرين من الشهر الجاري، ومع ذلك بدأت الأصوات تتعالى بين الرفض والقبول لجهة أن مراقبين يرون أنها خطوة لها تبعاتها ومن شأنها تجويع المواطن وآخرون يرون أنها خطوة في الاتجاه الصحيح.
خفض الدعم
ونقلت مصادر صحافية قول الحكومة الانتقالية إنها خططت لرفع الدعم عن الدقيق منذ أبريل الماضي على أن يكون ذلك في 25 ديسمبر وأن رئيس الوزراء وافق على ذلك، وكان وزير المالية د. جبريل إبراهيم قال إن الحكومة تدرس خفض دعم القمح والكهرباء لمقابلة خفض الموازنة، وأوضحت المصادر أن رفع الدعم عن الدقيق لا علاقة له بالتطورات السياسية الأخيرة وإجراءات قائد الجيش في أكتوبر الماضي وأنه تم إرجائه بسبب رفع الدعم عن الوقود.
وقالت إن مديونية المطاحن تقدر بملايين الدولارات وإن الحكومة تواجه صعوبات كبيرة فى سدادها دون أن تذكر رقماً محدداً للمديونية.
في الوقت الذي ينفذ فيه السودان برنامج إصلاحات اقتصادية مدعومة من قبل البنك الدولي تضمنت تحرير الوقود وإلغاء الدولار الجمركي وزيادة أسعار الكهرباء ومن المتوقع أن تستكمل بتحرير كامل للدقيق والكهرباء.
تلاعب كبير
اعتبر أستاذ الاقتصاد بعدد من الجامعات بالممكلة العربية السعودية والمحلل الاقتصادي دكتور محمد عيد كليس أن الخبز من السلع الضرورية التي تعتمد عليها شريحة كبيرة من السكان في السودان، وأبدى أسفه قائلاً إن صناعة الخبز في السودان تشهد تلاعباً كبيراً تكمن في السمسرة والغش في الأوزان والأحجام وانعدام الجودة، إضافة إلى انعدام الرقابة، إلى جانب ظهور أنواع غريبة من الخبز غير مألوف للمواطنين من قبل، مضيفاً أن فيه خلطة دقيق القمح بأنواع أخرى من الذرة.
خبز مخلوط
وقال كليس في حديثه لــ”اليوم التالي”: هناك أنواع مختلفة من الخبز المخلوط وآخر غير مخلوط في المخابز، موضحاً أنه يباع بأسعار تجارية ومدعومة في بعض المخابز، مؤكداً أنه يدل على غياب الجهة الحكومية الرقابية التي تضبط الجودة والأسعار وتمنع السمسرة والغش والتلاعب في صناعة الخبز، وتابع: في ظل انسداد الأفق السياسي والاقتصادي بالبلاد وبروز الصورة القاتمة للاقتصاد والتي بشر بها وزير المالية في الأيام القليلة الماضية جنباً مع انعدام الحلول الاقتصادية في المدى القريب يظل لجوء الحكومة إلى مزيد من التحرير للسلع الضرورية كالخبز إجراء ليس بمستغرب.
تساؤلات المهل
وتساءل المحلل الاقتصادي دكتور عبد العظيم المهل، قائلاً: أين ذهبت عائدات رفع الدعم السابق، موضحاً أنها لم تظهر في الصحة ولا التعليم ولا الصناعة ولا الزراعة ولا البنيات التحتية ولا أي شيء، وتابع: كم هي هذه العائدات، ولماذا لم يصدر السعر التركيزي للقمح إلى الآن، وأضاف: لماذا لا يتم دمج قمح المعونة الأمريكية المجاني مع إعفاء صناعة الدقيق من كل الرسوم والضرائب، مؤكداً أن في هذه الحالة سيكون السعر التجاري معقولاً، وأردف: لماذا المواطن الحيطة القصيرة، ولماذا لا تتحمل الحكومة جزءاً من العبء، وقال في ختام حديثه: الفقراء أول من يتضررون والغني لا يتأثر، وأكد بأن كل هذه المعالجات تخدير فقط.
ضرر كبير
ويرى الأمين السياسي لحزب المنبر الديمقراطي القومي مجاهد عثمان عمر قرار رفع الدعم عن الدقيق، إنه قرار صعب ويجب أن لا تطبقه الحكومة، مضيفاً أن قراراً سلبياً يتعلق بقضايا معاش الناس يصعب على المواطن تحمله، مبيناً أن الحكومة الانتقالية سبق وقررت وقامت قبل عام بمثل هذه القرارات وكانت لها ما بعدها من تجويع للمواطن، وتابع: ظللنا كل فترة نسمع قرارات رفع دعم، وكل هذا العبث يصب في تجويع المواطن، وانتقد مجاهد وجود سعرين للخبز وانعدامه، لافتاً إلى أن هذان السعرين فيهما ضرر كبير لمحدودي الدخل وزيادة للمصاعب، وطالب الحكومة الانتقالية بضرورة السعي لحل أزمة الخبز، مشيراً إلى أن مسؤوليتها الكاملة تجاه المواطن تقع على عاتقها، وحذر من تطبيق هذا القرار فإن المواطن لن يصمت، وتوقع أن تأتي القاضية من الشعب الثائر الذي أصبح لا يهاب الموت.
خطوة متأخرة
ويرى الناطق الرسمي لتجمع أصحاب المخابز عصام عكاشة أن خطوة الحكومة في رفع الدعم عن الدقيق تأخرت كثيراً، وقال: ننادي كثيراً بأن ترفع الحكومة الدعم وتبحث عن طريقة توجه الدعم للمواطن غير “شباك” المخابز، ويعتقد بأن الحكومة بهذه الخطوة ستبدأ بالسير إلى الاتجاه الصحيح، موضحاً أنها روشتة صندوق النقد الدولي ويجب تنفيذها بحذافيرها، وقال في حديثه لــ”اليوم التالي” أمس إن أي دولة تدعم أي سلعة أو منتج صندوق النقد الدولي لا يتعامل معها “الدين” لأنه لن يضمن أمواله المستدانة، وتابع: لذلك لابد من خروج الحكومة من السوق.
مصلحة المواطن
ويقول عكاشة إن هذه الخطوة في مصلحة المواطن رغم صعوبتها، ويضيف بالقول: إذا كانت الرغيفة في الوقت الحالي بـ30 جنيه وبعد رفع الدعم عن الدقيق المطاحن ستتنافس مع وفرة الدقيق وأسعاره ستكون منخفضة، وزاد: في هذه الحالة سعر الخبز لن يتجاوز الـ20 جنيه وشكله سيكون مقبولاً لدى المواطن.
حل أمثل
ويشير عكاشة إلى أن هناك مشكلة تكمن في دخل الفرد لجهة عدم تحمل دخله هذا الإجراء ــ وطالب الحكومة بضرورة السعي لإيجاد حل جاد، لافتاً إلى أن الحكومة تملك “داتا” برنامج دعم الأسر “ثمرات” وهي الخاصة بــ5 دولار لكل فرد في الأسرة، وقال: يجب على الحكومة أن تبحث عن استهلاك الفرد في اليوم الواحد للرغيف، وأضاف: إذا كان استهلاك الفرد 6 رغيفات بــ120 جنيه في اليوم و3600 جنيه في الشهر، هذا المبلغ يجب إضافته في برنامج “ثمرات” قائلاً إنه الحل والأنموذج الأمثل للخروج من المشكلة التي تواجه رفع الدعم عن الخبز.
الخرطوم: أمين محمد الأمين
صحيفة اليوم التالي