تحقيقات وتقارير

تحركات مصرية في السودان لبحث تداعيات استقالة حمدوك


كشفت مصادر مصرية خاصة أن مسؤولاً مصرياً رفيع المستوى في جهاز المخابرات العامة زار العاصمة السودانية الخرطوم، محمّلاً بمجموعة من الرسائل من القيادة المصرية للمسؤولين في الخرطوم، في محاولة لتهدئة الأوضاع المضطربة هناك.

وقالت المصادر لـ”العربي الجديد”، إن المسؤول المصري التقى رئيس مجلس السيادة عبد الفتاح البرهان، ونائبه محمد حمدان دقلو، ورئيس الحكومة المستقيل عبد الله حمدوك، قبل ساعات قليلة من إعلانه قرار الاستقالة.

وأوضحت المصادر أن المسؤول المصري طرح على البرهان، المدعوم من القاهرة، التصورات الخاصة بالمرحلة المقبلة، لعدم تحوّل السودان إلى كرة لهب تضرب المنطقة برمتها، خصوصاً في ظل اشتعال الأوضاع في إثيوبيا.

وأشارت المصادر إلى أن المسؤول المصري تناول مع المسؤولين في مجلس السيادة الأسماء المطروحة لخلافة حمدوك في حال فشلت جهود ثنيه عن قرار الاستقالة الذي جاء لاحقاً لزيارة المسؤول المصري.

وكشفت المصادر عن أن “هناك اثنين من الأسماء التي ترددت بقوة في أروقة صناعة القرار المصري، وهما السفير عمر دهب، والأكاديمي هنود قدوف، لدعم أي منهما خلال المرحلة المقبلة، بالتنسيق مع الحلفاء في السودان، لضمان عدم تفجر الأوضاع هناك وانزلاقها نحو مزيد من التوتر”.

تطرح مصر اسمي عمر دهب وهنود قدوف لخلافة حمدوك

وذكرت المصادر أن “لجنة مصرية رفيعة المستوى بحثت خلال الفترة القليلة الماضية الوضع في السودان، وأعدت سيناريوهات متعددة لجميع الاحتمالات في ظل تواصل التظاهرات في الشارع السوداني وتوتر المشهد هناك”.

وأشارت إلى “تواصل المشاورات بين مصر والسعودية في هذا الصدد، وفي ظل تصاعد معدلات التنسيق بين الجانبين بشأن عدد من ملفات المنطقة”، كاشفة عن “توافق الرؤى بين القاهرة والرياض بشأن مستقبل السودان”.

دعم بديل حمدوك اقتصادياً
وأوضحت أنه “في حال تم التوافق على البديل لحمدوك، فسيتم دعمه بحزمة اقتصادية تشارك في تمويلها السعودية، بالإضافة لتسهيلات مصرية للسودانيين، لتهدئة الوضع الملتهب في الشارع السوداني، وتهيئة الأجواء لمرحلة مفاوضات سياسية جديدة لا تتم تحت وطأة التظاهرات الشعبية”.

واستطردت المصادر بأن “المسؤولين في مصر يسابقون الزمن، مع بعض الحلفاء الإقليميين، لقطع الطريق أمام أي محاولات انقلابية جديدة من داخل المؤسسة العسكرية السودانية، يكون ولاؤها لأجندات تختلف مع المصالح المصرية”.

وكشفت المصادر عن أن المسؤول الاستخباري المصري حاول إقناع حمدوك بعدم الاستقالة، مؤكدة أنه عرض عليه التدخل لدى مجلس السيادة لإقناعه ببعض التعديلات المقترحة من جانب حمدوك، بالشكل الذي يحسّن موقفه لدى المعارضة بعد فترة من التوتر عقب عودته لمنصبه في أعقاب الانقلاب الذي قاده البرهان.

وفي السياق، قال دبلوماسي مصري سابق لـ”العربي الجديد”، إن استقالة حمدوك لم تزعج القاهرة، إذ إن حمدوك لم يكن مرغوباً به بالنسبة للقاهرة التي لطالما دعمت المكون العسكري برئاسة البرهان، والذي يتمتع بعلاقات قوية مع النظام في مصر، لا سيما مع رئيس جهاز المخابرات العامة اللواء عباس كامل، الذي التقى البرهان في القاهرة عشية انقلاب الأخير على المكون المدني في الحكومة في 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.

ولم يصدر عن القاهرة، حتى عصر أمس الاثنين، أي تعليق رسمي أو بيان بشأن استقالة حمدوك، لكن الدبلوماسي السابق، الذي تحدث لـ”العربي الجديد”، قال إنه “على الرغم مما يبدو أن استقالة حمدوك لاقت ارتياحاً في أروقة النظام المصري، لأنه لم يكن مرغوباً به، إلا أنها في الوقت ذاته تركت فراغاً دستورياً وقانونياً في السلطة في السودان مرشحاً أن يشعل الشارع السوداني مرة أخرى.

وهو الأمر الذي يضفي حالة من الضبابية على المشهد تجعل من الصعب توقع مآلاتها وتأثيرها على مصر في ملفات متعددة”.

أهمية السودان للأمن القومي المصري
وأضاف المصدر أنه “على الرغم من توجه النظام المصري عموماً إلى دعم عسكريي السودان برئاسة البرهان، من خلال جهاز المخابرات العامة برئاسة اللواء عباس كامل، إلا أن هناك فريقاً آخر في هيئة الأمن القومي ووزارة الخارجية كان يؤمن بضرورة فتح حوار وبناء جسور تواصل قوية مع المكون المدني في الحكومة السودانية برئاسة حمدوك، للحفاظ على حد أدنى من التوازن والاستقرار في الجار الجنوبي الذي يمثل أهمية قصوى للأمن القومي المصري”.

وأشار المصدر إلى أن نقاط الخلاف التي جعلت البرهان شخصاً غير مرغوب به للنظام في مصر، أولاها أنه جاء إلى الحكم معبّراً عن حالة ثورية كانت تطالب بحكم مدني ديمقراطي للبلاد، وهو ما يخالف توجهات النظام السياسي المصري العسكري، بالإضافة إلى أن مواقف حمدوك السياسية المختلفة لم تتماه دائماً مع مواقف القاهرة، وعلى سبيل المثال موقفه من أزمة سد النهضة الإثيوبي.

ولفت المصدر إلى أنه بينما “قال الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في إحدى المرات، إن مياه النيل خط أحمر، وأي مساس بمياه مصر سيكون له رد فعل يهدد استقرار المنطقة بالكامل، وهو تصريح وصفته وسائل إعلام كثيرة بأنه تهديد لإثيوبيا بشن الحرب، أكد حمدوك أنه لا يوجد حل عسكري للقضايا الخلافية مع إثيوبيا بشأن الحدود والسد، وأن سد النهضة يتيح للسودان مكمِّلات من الطاقة والكهرباء الفائضة لدى إثيوبيا، وبالتالي فإنه يخدم السودان. وشدّد في الوقت ذاته على أن التفاوض والحوار يظلان الحل الأساسي للخلافات مع إثيوبيا”.

وأضاف المصدر أن “أحد الأسباب التي جعلت القاهرة مرتاحة إلى حد ما لاستقالة حمدوك، هو علاقاته الدولية التي تطورت بشكل ملحوظ خلال فترة رئاسته للحكومة السودانية بأطراف دولية مهمة، على رأسها واشنطن وتل أبيب، وهي علاقات لا يمكن السيطرة عليها، من وجهة نظر النظام المصري”.

وأشار المصدر إلى دعم واشنطن لحمدوك، والذي اتضح في تأكيد وزارة الخارجية الأميركية، في بيان صدر في يونيو/ حزيران الماضي، دعم واشنطن لحمدوك وحكومته.

وأعاد المصدر التذكير باتصال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن بحمدوك، ونقاشهما “التقدم الذي تم إحرازه في إحلال السلام وتطبيق الإصلاح السياسي والأمن الاقتصادي”، بالإضافة إلى “الاستقرار الإقليمي وتطبيق اتفاقات السلام التي أبرمها السودان والتزامه بتطبيع العلاقات مع إسرائيل”.

حمدوك لم يكن مرغوباً به بالنسبة للقاهرة التي دعمت العسكر

وقال المصدر إن “القاهرة تنظر إلى استقالة حمدوك من زاويتين، الأولى أنها ستخفف الضغط على البرهان والمكون العسكري في الحكومة السودانية، من ناحية الانفراد بالسلطة داخل البلاد، وبالتالي فإن القاهرة سوف تتعامل مع جبهة واحدة في الحكم. أما الزاوية الأخرى، فهي أن الاستقالة سوف تزيد الضغط على البرهان، من ناحية الفراغ الدستوري الذي ستخلفه من جهة، وضغط الشارع السوداني والمواقف الدولية من جهة أخرى. وبالتالي فإن هذا الوضع المرتبك سيجعل القاهرة في حالة قلق على الرغم من ارتياحها لاستقالة حمدوك، حتى الوصول إلى حل للأزمة يحقق تطلعات النظام المصري للوضع في السودان”.

وأوضح المصدر أن “شغور منصب رئيس الوزراء السوداني سيخلق ارتباكاً داخل النظام المصري، نظراً لعدم معرفة مع من ستتعامل القاهرة بعد ذلك، وسيستمر ذلك الوضع حتى ظهور رئيس حكومة جديد”.

وتوقع أن “يستمر الصراع بين المكونين المدني والعسكري في السودان لفترة”، مشيراً إلى أن الصراع بين المدنيين والعسكريين “معادلة صعبة” تسيطر على معظم الدول العربية، “وخصوصاً تلك التي مرت بتجربة الربيع العربي”.

وكانت مصر قد رحبت بالاتفاق السياسي الذي وقع في السودان، في 21 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، بين البرهان وحمدوك.

وأشادت مصر في هذا الإطار “بالحكمة والمسؤولية التي تحلت بها الأطراف السودانية في التوصل إلى توافق حول إنجاح الفترة الانتقالية بما يخدم مصالح السودان العليا”، وفقاً لبيان صادر عن وزارة الخارجية.

العربي الجديد