تحقيقات وتقارير

المُبادرة الأُممية هل تموت بوعورة الطريق وسُوء الظن؟


تمضي المبادرة التي يقودها رئيس البعثة المتكاملة للأمم المتحدة (يونيتامس)، ممثل الأمين العام الخاص في السودان، فولكر بيرتس ببطء في أجواء مشحونة بالشكوك والتوجس وسط المواقف المتباينة بين الرفض والقبول من قبل القوى السياسية التي تنظر ان تضع نفسها في الشق الذي يختاره الشارع الذي تتحكم فيه لجان المقاومة المشغولة الآن بصياغة الميثاق السياسي الخاص بها، لتوحيد رؤيتها على مستوى كل الأقاليم، وواضحٌ أنها تسعى لوضع أساس تنظيمي خاص بها، بعد ان اهتزت ثقتها في القوى السياسية وتجمع المهنيين، الذي أعلن صراحة رفضه لأي مبادرات أو مشاورات، بعد ان اعتبرها تضفي شرعية على مشاركة العسكريين في السلطة، متماهيا مع الشعار التصعيدي الاحتجاجي (لا تفاوض، لا شراكة ولا مساومة)، الذي ترفعه لجان المقاومة، رغم أنه تكشف من خلال عملية الترتيب والدعوة للمواكب المليونية ورسم مساراتها، أن تجمع المهنيين غير فاعل فيها وينحصر دوره فقط في الترويج للمواكب الاحتجاجية والمشاركة، خلافاً لما كان عليه وضع المهنيين في فترة التظاهرات التي أسقطت النظام البائد، وهذا باعتراف القيادية بتجمع المهنيين قمرية عمر حسب صحيفة «الانتباهة» أن دور تجمع المهنيين ينحصر في الاعلان عن المواكب والمشاركة فيها، لكن الفعل الأساسي في تنظيمها والدعوة لها وتحديد مسارها، تقوم به لجان المقاومة وتجمع المهنيين.

وعلى صعيد قوى الحرية والتغيير المجلس المركزي، فإنها حسب رأي مراقبين، مشغولة بمساعيها للتقارب مع لجان المقاومة لإقناعها بالانضمام لاتفاق ميثاق توحيد قوى المعارضة الثورية، ولكنها لم تقطع برفض أو قبول المبادرة الاممية، ورهنت ذلك بضمان موافقة لجان المقاومة ومن أسمتهم بقوى الثورة الحية، ان تكون جزءاً من الموافقة على تلك المبادرة، في حين أعلن الحزب الشيوعي والقوى الإسلامية والأحزاب المتحالفة معها رفضهم المبادرة الأممية بشكل قاطع واعتبروها تدخلاً في الشأن السوداني، وهذا ما أكده رئيس البعثة بيرتس نفسه.

شبح الأزمة
تجتهد البعثة الأممية (يونيتامس) التي تسابق شبح أزمة يلوح في الأفق، بدخول السودان في سيناريو الصراعات التي يعج بها محيطه إذا لم تنجح مبادرتها، انخرط رئيس البعثة في مشاورات واسعة لإقناع كافة الاطراف الفاعلة لكسر الجمود السياسي الذي يواجه مبادرته، حتى لا تموت في مهدها نتيجة وعورة الطريق الذي سلكته في بيئة مُعقّدة للغاية، وتواجهها كثير من التحديات والعقبات، وهذا ما جعل نائب رئيس الحركة الشعبية شمال المستشار السياسي السابق لرئيس الوزراء ياسر عرمان، يحذر حسب قراءته للمشهد وكواليسه من ان الفشل يتهدد مبادرة البعثة الأممية (يونيتامس) وهي مواجهة بالعديد من التحديات، بدءًا من انعدام الثقة التام بين أطراف النزاع، واشترط عرمان لنجاح المبادرة ومضيها الى غايتها بردم الفجوة الهائلة بين السياسيين بالاستفادة من درس فشل اتفاق 21 نوفمبر الموقع بين الفريق البرهان ورئيس الوزراء حمدوك.

انسدادٌ واحتقانٌ
فيما قال الخبير الدبلوماسي السفير د. علي يوسف، إنّ المشهد السوداني مُحتقنٌ لدرجة عالية بعد قرارات 25 اكتوبر التي كانت بمثابة فض للشراكة التي كانت قائمة، والاستعاضة عنها باتفاق 21 نوفمبر، الذي تم رفضه، حيث أعقبه استقالة حمدوك وانسداد الأفق في السودان، الذي جعل كل الاحتمالات مفتوحة بتطورات غير حميدة العواقب في منطقة كالسودان، كل أنظار القوى الدولية تُراقب ما يجري فيه بحذرٍ، لموقعه في منطقة نزاعات وهشاشة، بجانب انه منطقة تقاطع مصالح للدول الكبرى، وهذا ما يظهره السباق الروسي الأمريكي لضم أطراف العملية الانتقالية في السودان.

وقطع السفير علي في حديثه لـ(الصيحة) بأن المواقف المترددة التي تصدر من القوى السياسية والمدنية في قبول المبادرة التوافقية التي أطلقتها الأمم وما يدور حولها من لغط بأنها تدخل في الشأن السودان الداخلي، بأنه حديث لا قيمة له ولا يسنده أي منطق قانوني دولي او دبلوماسي لأسباب عدة متوفرة الآن في مشهد الأزمة السودانية، في مقدمتها أن السودان عضو بالأمم المتحدة، وملتزم بما جاء في المبادئ الواردة في ميثاقها، وهناك كثير من الملفات اختلف التعامل معها، في مقدمتها ملف حقوق الإنسان والديمقراطية والمرأة والطفل، واحترام حقوق الأقليات، وإنهاء النزاعات وغيرها من الملفات التي كان لا يسمح التدخل فيها خلال فترة الحرب الباردة باعتبارها شأناً داخلياً، لكن الآن بعد التطورات التي شهدها العالم، أصبح التعامل معها وفق ميثاق الأمم وعضوية الدول المنضوية في الميثاق، يمكن لأي طرف في الأمم المتحدة مثل مجلس الأمن والمنظمات التابعة لها، أن يثير هذه القضايا ولا يعتبر تدخلا في الشأن الداخلي، باعتبارها ملفات عامة، وتلزم الدولة المعنية بحكم عضويتها الانصياع لقرارات الامم المتحدة.

عضوية السودان
أضاف السفير د. علي، بجانب عضوية السودان في الامم المتحدة، هناك طلبٌ من السودان قدمه رئيس الوزراء المستقيل، استدعى فيه تخصيص بعثة أممية لمساعدة السودان في إنجاح الفترة الانتقالية، وبموجبه أصبح وجود هذه البعثة بالسودان مرتبطاً بمسؤوليتها عن نجاح الفترة الانتقالية بالوصول لإقامة حكومة منتخبة انتخابا مباشرا من الشعب السوداني كغاية ومطلب للثورة، وبالتالي هذه المبادرة التي تقودها البعثة الاممية ملزمة للسودان بحكم طلبه للبعثة.

ظرفٌ دقيقٌ
وأشار إلى أنه ليس هناك ما يستدعي لمعارضة هذه المبادرة بحكم التخوف، باعتبار أنها جاءت في ظرف دقيق يمر به السودان، في ظل انسداد الأفق بالتصعيد الذي فشلت معه كل محاولات حمدوك في الوصول لتوافق، وهذا ما دفع حمدوك لتضمين خطاب استقالته، اشارات تحذير من وجود مخاطر تحدق بالسودان وثورته.

واسترجع السفير قائلاً إن ما يعيب المبادرة أنها تمضي في طريق طويل بالمشاورات التي أصبح لازمة على المبعوث الأممي إجراءها لإحداث توافق حتى يكون نتاجها ما تتفق عليه مكونات المشهد السوداني، وبالتالي يحتاج لزمن ليس بالقصير وهذا واحد من نقاط ضعف هذه المبادرة رغم انها شكلت اختراقا جيدا في جدار الأزمة السودانية.

فشل المبادرة
واستبعد فشل المُبادرة الأممية التي قال إنها مسنودة من عدة دول، بينها الولايات المتحدة التي لديها موقف واضح وقرارات بقانون لدعم الانتقال في السودان، يصعب تراجعها، بجانب مساندة السعودية والإمارات وأطراف أخرى مشاركة بشكل كبير للغاية، مؤكداً أن فولكر بيرتس سيحاول الاستفادة من هذا الدعم، الذي يمكن أن يجعل كل طرف يعارضها عرضة للعقوبات الأمريكية..

الخرطوم: الطيب محمد خير
صحيفة الصيحة